أسرارُ “العَربيّة”… إدانةٌ أم تبرِئة؟

 

تقرير: نجدة بشارة

أثارت الحلقات التي بثتها قناة “العربية” على ثلاث حلقات بعنوان الأسرار الكبرى للإخوان، والتي كشفت من خلالها تسجيلات سرية لاعترافات من  داخل اجتماعات شورى الحركة الإسلامية في السودان، تعرض لأول مرة، عن الرئيس السابق عمر البشير وقيادات نظامه، أثارت  جدل واسع على منصات التواصل الاجتماعي بين  محتفٍ بهذه التسجيلات واعتبارها دليل إدانة ضد الحركة الإسلامية بصورة عامة، والحكومة السابقة  بصفة خاصة، وبين من  شكك  في هذه التسريبات.. معتقداً أن العربية ربما تعرضت لخدعة من الإخوان بتسريبهم هذه التسجيلات عن عمد، لهدف إظهار أعضاء الحركة وهم يمارسون الجلد الذاتي، ونقد أخطائهم، ويقرون  جهراً بوجود قصور وفساد،  ويطالبون بعضهم البعض بالتصحيح.

وكانت مراسلة العربية لينا يعقوب قد كشفت بصفحتها على الفيسبوك سابقاً بأن بعض الإسلاميين قد باعوا وسربوا هذه التسجيلات، وإذا صدق القول.. يبرز التساؤل.. لماذا باعوها ..هل لقبض الثمن فقط؟ أم صحوة ضمير من بعضهم؟ أم لتبرئة ساحتهم من الهجوم الذي يقوده الثوار ضدهم ومحاولة ظهورهم على الأقل بمظهر المسئولية ويبين كيف أنهم مارسوا النقد داخل غرفهم المغلقة بهدف الإصلاح؟ وهل ستكون هذه التسجيلات دليل إدانة للإسلاميين… أم دليل تبرئة؟

التسجيلات المسربة!

وفي وقت سابق، كانت قناة العربية قد عرضت الجزء الأول والثاني من فيلم الأسرار الكبرى، حيث كشفت التسجيلات المسربة عن تفاصيل ومعلومات صادمة منها اعترافات الرئيس السابق  عمر البشير بإعدام ضباط رمضان بالإضافة إلى الاعتراف بسيطرة وتمكين الحركة الإسلامية والحزب المحلول على جميع مفاصل الدولة واعترف البشير في الوثائقي بأن كل مفاصل الدولة السودانية بعد انقلاب 1989، أصبحت تحت سيطرة الإخوان، كما اعترف بفصل أكثر من 600 ألف سوداني من وظائفهم واستبدالهم بعناصر إخوانية، لافتاً إلى أن عضو الإخوان يجب أن تكون لديه قدرة على حمل السلاح دائماً، وينفذ الأوامر بمبدأ السمع والطاعة فضلًا عن اعترافات القيادي علي عثمان محمد طه بتدبير الحركة للانقلاب على الحكم وتقويض النظام الدستوري عام 89 كما عرضت تسجيلات مسربة لخلافات بين الخصوم في الحركة وصلت للتخطيط لاغتيالات بين صفوفها.

وأظهرت اعترفات قيادات إخوانية بارزة من أركان حكم البشير بتفشي الفساد والمحسوبية داخل منظومة الحكم المتصدعة.

الحلقتان الأوائل  أخرجتا معظم الإخوان المسلمين عن صمتهم، وحركت التسجيلات سجالات مكشوفة، جعلتهم يثورون ضد بعضهم البعض، ويطعنون في مصداقية إخوانهم من خلال  أحاديثهم الواردة بالتسجيلات…  حتى إن القيادي الإسلامي غازي صلاح الدين وصف علي عثمان بـ (الكذوب) وقال إنه لا يؤمن بالانقلابات التي يؤمن بها علي عثمان، وأضاف أنه كان نائماً عند تنفيذ الانقلاب المزعوم، وذلك رداً على حديث طه حول علاقة الأخير  بانقلاب العميد ود إبراهيم.

الإخوان والثورة

إلا أن الحلقة الأخيرة تناولت عدة قضايا متصلة بالثورة، ولعل أكثر الاعترافات خطورة التي بينت دور قوات “الاحتياط”، وهي قوات تعتبر موازية للقوات المسلحة السودانية كانت أولويتها حماية النظام، وفي مشهد، يقول الطيب محمد خير “سيخة”: تم تعييني مستشاراً بوزارة الدفاع لإنشاء قوات الاحتياط”.

وأضاف: قوات الاحتياط وهي بالقانون مفتوحة لكل الناس، (لكن كوادر الحركة الإسلامية تأخذ الأولوية)، ورغم أن انتفاضة ديسمبر 2018 التي انتهت باسقاط حكم البشير في أبريل 2019 كانت سلمية، إلا أن نظام البشير حاول قمع المتظاهرين، وعلى ذمة موقع “العربية نت” أنه قبل سقوط النظام كانت بعض الأصوات تعتقد أن التظاهرات لا يمكنها إسقاط الحكومة، ويقول علي عثمان محمد طه نائب الرئيس السوداني السابق: “أنا لا أرى أصلاً ما يدعو للخوف والقلق من استمرار المظاهرات “حتى لو امتدت أسبوعين أو ثلاثة أو إلى أي وقت”.

وفي مرحلة تالية بدأ الإحساس بالخطر، وعلق عبد الهادي عبد الباسط، مدير الأمن الاقتصادي سابقاً: “الوضع الحالي وضع خطير للغاية” ، ونحن كحركة إسلامية يجب أن نكون أذكى من التمسك بأسماء وأجسام نعتقد أنها ضربت رأسها في الحائط. كما يتضمن الوثائقي تفاصيل 38 اجتماعاً عقدتها اللجان الأمنية بحضور البشير للقضاء على التظاهرات المطالبة بالتغيير.

لصالح من؟

في ذات الوقت، تعالت أصوات أخرى  تتساءل عبر المدونات لصالح من بثت هذه الحلقات هل لكشف حقائق الإسلاميين  للشعب؟  أم إنها لصالح الإسلاميين؟ ولا سيما أن نقد الإسلاميين  لذواتهم  بدأ أكثر وضوحاً من خلال مطالبة البعض للبشير في التسجيلات بالحلقات الأخيرة  بعدم الترشّح لدورة جديدة، وقال عدد من المتابعين أن الحلقة لم تحمل جديداً، فيما كتب الصحفي يوسف عمارة أبوسن بمدونته مشككاً في خداع الإسلاميين لقناة العربية وتسليمها تسجيلات مفلترة.

القيادي بحزب المؤتمر الوطني المحلول، إبراهيم غندور، في تعليق سابق على الفيلم الوثائقي الذي بثته قناة  العربية قال إن تلك الحلقات مثلت إضافة للحركة الإسلامية من حيث منهج الشورى والمراجعات الجريئة بغرض التصحيح والإصلاح.

واعتبر أن معظم ما جاء فيها منشور ومذاع ومعلوم للكثيرين من المهتمين بالشأن العام، كما أنه تم فيه انتقاء وابتسار مخل بالمعنى والسياق العام الذي ورد فيه من ربط ما هو متفرق وتفريق ما هو متصل على اختلاف الزمان، وأوضح غندور في منشور على صفحته بالفيس، بأنه لا توجد أسرار في مؤتمرات ومداولات الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني، وما اكتشفه العامة الآن هو أجزاء من المداولات والجلسات التي تسبق قيام المؤتمرات التي يتم فيها النقاش على المكشوف لكافة العضوية والقيادة ويدلي كل أحد بما يراه بكل حرية وديمقراطية داخل الأجهزة التنظيمية في الحركة والحزب قبل حسم القرار.

دليل إدانة

المحلل السياسي البروفيسر عبـده مختار قال في حديثه (للصيحة): من خلال متابعتي لـ(الأسرار الكبرى لإخوان السودان) أرى أنه دليل إدانة لهم والمداولات السرية لقيادات الحركة الإسلامية/ المؤتمر الوطني المحلول ليس في صالحهم وتعطي انطباعاً بأنهم وصلوا إلى درجة اليقين بأنهم باقون في السلطة، وأنه ليست هنالك قوة تستطيع اقتلاعهم، استخفوا بقوة الله التي تقف مع المظلوم وإن كان لا يملك قوة،  فسخر الله للشعب قوة كان قد أسسها البشير لحمايته فانقلبت عليه ووقفت مع الشعب (الدعم السريع). بظنهم أن لا قوة تستطيع إزالتهم استمروا في خطابهم الاستفزازي للشعب حيث كانوا يصفون كل من ينتقدهم أو يخرج عليهم بأنهم “شُذّاذ آفاق” وفي اجتماعاتهم السرية أضافوا إليها مفردات جديدة  ظهرت بالتسجيلات مثل “صعاليك” … يصفون الشعب الذي خرج عليهم بأنهم “صعاليك”.

وأضاف: ما يثير الدهشة أنهم اعترفوا بأن ما حدث هو نتيجة (لسوء إدارتهم)، وتمنيت لو أكمل نافع الجملة بالقول: وسوء أعمالنا وفشلنا الذريع في الحكم فمتى “يفيق” الآخرون؟

لا تمثل إدانة

يرى المحلل السياسي بروف حسن الساعوري في حديثه (للصيحة) بأن هذه التسجيلات ثمرتها سياسية فقط، حيث أنها عرت بعض الإخوان وكشفت أحاديثهم التي ظنوها سرية للعلن (شيل حال)، لكن لا يصبح دليلًا قانونياً، لإدانتهم لأن المحكمة لا تأخذ بتسجيلات مضت عليها سنوات كأدلة، وقال إن مذكراتهم وحديثهم عن الفساد والإصلاح أيضاً تظل مجرد أحاديث، نسبة لأنهم لم ينفذّوها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى