سد النهضة أزمةٌ بلا حل

أول من أمس انفضَّ السامرُ بين الدول الثلاث، السودان ومصر وإثيوبيا، في الاجتماعات التي عُقدت بالخرطوم لمواصلة التباحُث حول ملء وتشغيل سد النهضة الأثيوبي. وواضح من التصريحات المُقتضبة أن المسافة لا تزال تتباعد بين القاهرة وأديس أبابا، حيث ظلت المواقف ثابتة على ما هي عليه لم تتزحزح قيد أنملة،  إلى درجة أن مصر طالبت بإشراك طرف رابع في التفاوُض الثلاثي، وبالطبع لم يجد الطرفان الآخران وهما السودان وإثيوبيا إلا رفض هذا المُقترح، وتبادلت كلٌّ من القاهرة وأديس أبابا رفض المقترحات المُقدمة من كليهما لتجاوُز مسألة المدة التي يُملأ فيها السد هل هي ما بين أربع إلى سبع سنوات وهو المقترح الأثيوبي، أم أكثر من ذلك كما حاء في المقترح المصري .

بجانب ذلك، لا تزال خطة التشغيل أيضاً محل خلاف، وسبق أن اشترطت القاهرة أن توافِق على الشركة أو الجهة الفنية التي يعهَد إليها الجانب الإثيوبي عملية تشغيل السد وإدارته، وتُعارِض إثيوبيا بشدة هذا الموقف المصري ولا ترى فيه أية مرونة يمكن أن تقود إلى حلولٍ مُتراضىً عليها، وقد بُذلِت خلال الفترة الماضية جهود مضنية من الاتصالات الثنائية بين القاهرة وأديس، وفي إطار اللقاءات الثلاثية، لحل الخلاف بين مصر وإثيوبيا، فحتى القمة التي عُقِدت في يناير الماضي بين رؤساء البلدان الثلاثة على هامش القمة الأفريقية في أديس أبابا، مُنِيت بفشلٍ ذريع، ولم تنجح في تجاوُز نقاط الخلاف المُرحَّلة دائماً، وبقيت قضايا ملء الخزان وتشغيل السد وكيفية إدارته وإشراك الخرطوم والقاهرة فيها، وتمرير أربعين مليار متر مكعب من المياه سنوياً كما تُطالب مصر هي “القشّات” التي طالما قصمت ظهور اللقاءات والاجتماعات المُتطاولة .

ما يهمنا الآن، هو الموقف السوداني، في السابق كانت حكومة الإنقاذ تمتلك قُدرة فائقة في الإبقاء على موقف لا يُغضِب مصر وينال رضى إثيوبيا، وكانت هناك مسافة تسمح للطرف السوداني بتجسير هوة الخلاف وفتح كوة ينفذ منها بصيص أمل في الاتفاق، مع تحرير نقاط الخلاف ومحاولة تقليلها، وكان كلا الطرفين المصري والإثيوبي يلوذ بوجهة النظر السودانية علّها تمثّل مخرجاً، فهل يا ترى يوجد اليوم في ظل الحكومة الحالية موقف محدد وواضح من هذه القضية، أم انكفأ الموقف السوداني على نفسه، ورضي بموقف المُتفرّج على المفاوضات التي جرى آخرها في الخرطوم؟

من الضروري أن يكون هناك رأي يُبنَى على المصالح المحضة للسودان، فليس هناك ضرر من إكمال سد النهضة، ولا هناك إضرار بحقوق مصر المائية، إذا بنى السودان موقفه على هذه المعادلة، وقدّم مقترحات بنّاءة حول ملء بُحيرة السد بمقترح ثالث يتّسم بالعملية والموضوعية، واقترح من جانبه صيغاً معقولة للتشغيل والإدارة وطريقة اختيار الشركات ذات الكفاءة الفنية للمشاركة في عملية الإدارة، وسعى لتوفير الضمانات الكافية حتى يهدأ ويسكن روع مصر، فذلك سيُساعد في تجاوُز أزمة السد المُتجدّدة ويُسهم في نزع فتيل الخلاف ويُمهد الطريق إلى تعاون ثلاثي حقيقي بين هذه الدول، ويتحول النيل الأزرق ــ وهو أكبر رافد للنيل ــ إلى منافع ضخمة وشراكة مُنتجة لشعوب هذه البلدان .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى