مهام الفترة الانتقالية وخطورة الانزلاق بها

 

* مما يؤسف له وسيسجله التاريخ، بأننا نكرر الفشل من الوهلة الأولى، عندما يوضع أمامنا اختبار ما يسمى بالفترة الانتقالية، التي يقصد بها التدرج المفضي، والإعداد الدقيق، للتحول الديمقراطي الذي طالما حلم به المواطنون، من أجل كسر قيود التبعية، وتحطيم أغلال المسكنة، والذلة، والاستضعاف.

 

* فالفترة التي تلت ثورة أكتوبر قفز إلى السطح خلالها أناسٌ لا تاريخ لهم، وبلا إرث سياسي، أو نضالي، متصدرين ثورة أكتوبر، ومدعين لادعاءات لم تصمد كثيراً، لكنها تحطمت على أرض الواقع، وهزمها الرأي العام السوداني، الذي لا يمكن تسفيه أحلامه، وازدراء تطلعاته، أو اللعب على ذقون حكمائه، ومن أوتي منهم فصل الخطاب.

*  وها نحن اليوم يتكرر سعينا لخوض مرحلة جديدة في التاريخ السوداني، وما كنا نود لهذا التاريخ أن يتكرر، لكن فيما يبدو بأن ما يحدث هو من سنن الحياة، وأبجديات القواعد، التي اعتادت البشرية عليها منذ قديم الزمان، وتلك هي الأيام التي يداولها الله بين الناس، وكذلك هي الاختبارات التي من خلالها يتم التعرف على الصادقين، والكاذبين.

* ومن واجبات الفترة الانتقالية ألا ينحرف من كلف بإدارتها، لنصل لذات النتائج المأساوية حتى وإن كانت أهدافها انعقاد انتخابات عامة، ذلك لأن الانحراف بمهام فترات الانتقال قد يؤدي إلى نهايات قد تنعقد فيها انتخابات لكنها مجردة من الإرادة، ومعرضة للاختراق، ومهددة بعلل الخارج، وجواسيس الداخل، والأموال المشبوهة، فتكون النتيجة مخرجات مصنعة، وحكومات ليس لها كامل الإرادة إزاء أي قدر من أجندات الوطن، ومصالح المواطنين.

 

* والانحراف بالفترة الانتقالية تجاه أيدولوجيات، وأفكار، ومصادمات مع فئات المجتمع بغرض تصفية الحسابات، وممارسة الانتقامات، هو منهج من مناهج الإطاحة بالانتقال، ليصبح انتقالاً من مربع التوافق الاجتماعي، إلى الصراع الطبقي، وإلى الأحقاد، والأطماع، وإلى إشعال نيران الفتنة، وليست ليبيا، والصومال، وما يدور من حرب ضروس باسم الطوائف الدينية، والتقسيمات الإسلامية باليمن، بمشاهد بعيدة عن الأذهان.

* والانشغال عن قضايا الجماهير، بسياسات الكسح  والمسح والكنس، تذكرنا بما حدث فيما بعد العام 1985 فكان ذلك من قبيل استهلاك الجهود، وقتل الزمن، والانصراف عن الكليات، إلى ما هو دون الهامش، في مجالات لا تسمن ولا تغني من جوع، وهو الأمر الذي نحذر منه إزاء الظرف الاقتصادي الراهن، وفيما لو استمر هذا النهج لقتلَ الجوعُ الجماهير، ولامتلأت الشوارع بأكوام النفايات، ولساد الفساد دواوين الدولة، ولدخلت الرسوم الحكومية للجيوب، ولأصبحت السلع دون استثناء نهباً للتهريب، ولما وجد الفقراء مأوىً، ولا رغيفاً، ولأصبحت الطرق كالأخاديد، التي تسقط فيها السيارات في حوادث مروعة كما تروي لنا الصحف مثل هذه الأنباء في كثير من الطرق العابرة، فتزهق الأرواح بسبب تصادم السيارات والناقلات.

 

* ويا ليت العسكريين، والمدنيين، ينتبهون إلى ذلك المصير المظلم الذي سيكون إليه المنتهى، فيما لو سار الانحراف حاداً، ومناقضاً لمهام الانتقال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى