العبرة ليست بالأسماء ولكنها بالمسميات

 

* أذكر أن انتفاضة رجب / أبريل من العام 1985 كانت انتفاضة قد حدثت بعد جولات، ومجادلات، لإسقاط نظام نميري تخللتها انقلابات، وإعدامات، وغزو من قبل الجبهة الوطنية أتى من الخارج أسماه المرحوم جعفر نميري بغزو المرتزقة، ثم كانت المصالحة الوطنية، وإصدار قوانين الشريعة، ثم الضغط من الخارج لإلغائها، ثم فقدان النظام لحاضنته الفكرية، والسياسية، المتمثلة في الإسلاميين الذين تم الزج بهم في السجون فحدث السقوط .

* وليس من الإنصاف القول أو الادعاء بأن نظام نميري لم ينجز، أو أنه قد فشل في كل شيء، بل من الموضوعية القول بأنه قد مر بفترات حرجة، ومآزق كثيرة، وتجاوزعقبات، ووقع في أفخاخ، ونزع نحو القبضة الأمنية، وأصاب البلاد القحط، وتردت الخدمات، وفقد النظام السياسي السند، وغلت الدول الصديقة والشقيقة يدها عن الدعم، ولكن بالمقابل أنشئت صروح كقاعة الصداقة، والمجلس الوطني، وبعض الطرق العابرة، والمصانع التي ما يزال السودان يعتمد عليها في مقدمتها سكر كنانة، وعدد غير يسير من المصانع، وبالرغم من ذلك لم تشفع تلك الإنجازات المادية لجعفر نميري، ولم تمنع نظامه من السقوط، ولا نجم قيادته من الأفول.

* والواقعية تقول بأن يتم الاعتراف بما كان له، وما كان عليه، وألا يقودنا الجهل كما فعل بعضنا لشطب اسم جعفر نميري من حجر الأساس لقاعة الصداقة، أو إزالة أسماء من ترأسوا مجلس الشعب، من قائمة الشرف المنصوبة بمبنى المجلس الوطني، أو غير ذلك من الأساليب البائسة، والإجراءات المضحكة، وكان من باب أولى أن يكون الزعم بأن الإنجازات كانت محدودة، أو متواضعة، حيث لم تبرع حكومات ما بعد الانتفاضة في تحقيق إنجازات باهرة، واختراقات في مختلف المجالات، لتتم المقارنة بين نظام، ونظام، وقيادة، وقيادة، ولا يكون الاحتفال احتفالاً بشطب الكتابات، وتمزيق اللافتات، وتغيير الأسماء، وإن حدث ذلك فهذا هو الفشل الذي يشبه ما كان يعتقده فرعون بأنه تزيا بزي جميل، بينما هو مكشوف العورة، ومجرد من الثياب، إلى أن قال طفل صغير بأن أنظروا لملكنا العريان.

* وحكومتنا الحالية التي احتكرت أحزاب قحت مواقعها التنفيذية، وغالب وزاراتها، وأجسامها، قد وعدت الجماهير بالمن والسلوى، واسترداد الأموال المنهوبة، وإعادة السودان للحظيرة الدولية، ورفع اسم السودان من قائمة الإرهاب.. و.. و.. ووصل الادعاء بأن هناك مليارات الدولارات بماليزيا، ومثلها بمنزل عوض الجاز، وأن 70 مليون يورو ستأتي من الأصدقاء، فكان كل ذلك كذباً، وبهتاناً، فلا يوجد معلمٌ لإنجاز، ولا إشارة لتقدم، ولا جدية في حكم، ولا دعم من الخارج، بل هو التردي، والتقهقر إلى الخلف، والصورة الشائهة لقيادات حيث واجهوا الشعب، وطعنوا في عقيدته، وأعلنوا على رؤوس الأشهاد بأنهم ضد الدولة الإسلامية، وهم دعاة العلمانية الصريحة، حيث الفصل بين الدين والدولة.

* والأدهى والأمر أن هؤلاء قد اتجهوا نحو تغيير أسماء منشآت، وطرق لم يبذلوا فيها عرقاً، ولم يسهموا في بنائها ، فرقص الراقصون لتغيير أسمائها، كما لو أنهم يحتفلون بعيد ميلاد لطفل قد ولد من جديد، بينما أن الذين غيروا اسمه قد فاق عمره الثلاثين عاماً .

* ونذكِّر من يخدعون أنفسهم، بأن تكون العبرة لديهم بالمسميات، وليس بالأسماء، وما أقصر حبل الكذب، كما يقول أهلنا الكرماء، أصحاب التاريخ الناصع، والخبرة المديدة، والحقيقة التي لا تشبه إلا الشمس وهي ساطعة في رابعة النهار .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى