عقيدة المسلمين في عيسى عليه السلام ) 2( رفعه عليه السلام ونفي قتله أو صلبه :

إِذْ قَالَ الَّهلُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِليََّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ
كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ
إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) 55 ((.والمراد
بالوفاة هنا : النوم ؛ فإن النوم يسمى موتاً ؛ كما قال الله تعالى
: )وهو الذي يتوفاكم بالليل( الآية. وقال تعالى: ) الله يتوفى
الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ( الآية.وكان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا قام من النوم : )الحمد الله
الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور( متفق عليه.
وقال الله تعالى عن اليهود : )فَبِمَا نَقضِْهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفرِْهِمْ
بِآَيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ ا نْألَْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ
طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَ يُؤْمِنُونَ إِ قَلِيل) 155 (وبَكِفُرْهِِم وَقَوْلِهِمْ عَلىَ مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا) 156 ( وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلنَْا المَْسِيحَ
عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهَِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلبَُوهُ وَلكَِنْ شُبِّهَ لهَُمْ
وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِ اتِّبَاعَ
الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا) 157 ( بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا
حَكيِماً) 158 ( وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ
الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا) 159 ((.
روى ابن أبي حاتم والنسائي وابن جرير الطبري وغيرهم عن
ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما أراد الله أن يرفع عيسى
إلى السماء خرج على أصحابه وفي البيت اثنا عشر رجلا من
الحواريين يعني فخرج عليهم من عين في البيت ورأسه يقطر
ماء فقال : إن منكم من يكفر بي اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن بي
قال : ثم قال : أيكم يُلْقَى عليه شبهي فيُقْتَل مكاني ويكون معي
في درجتي ؟ فقام شاب من أحدثهم سنا . فقال له : اجلس .ثم
أعاد عليهم ، فقام ذلك الشاب فقال : اجلس ثم أعاد عليهم فقام
الشاب فقال : أنا ، فقال: هو أنت ذاك ، فأُلقي عليه شبه عيسى
ورُفِعَ عيسى من روزنة في البيت إلى السماء ، قال : وجاء الطلب
من اليهود فأخذوا الشبه فقتلوه ثم صلبوه ، فكفر به بعضهم
اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن به ، وافترقوا ثلاث فرق فقالت فرقة
: كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلى السماء وهؤلاء اليعقوبية ،
وقالت فرقة : كان فينا ابن الله ما شاء ثم رفعه الله إليه وهؤلاء
النسطورية ، وقالت فرقة : كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء
الله ثم رفعه الله إليه وهؤلاء المسلمون، فتظاهرت الكافرتان على
المسلمة فقتلوها فلم يزل الإسلام طامساً حتى بعث الله محمداً
صلى الله عليه وسلم .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره :”وهذا إسناد
صحيح إلى ابن عباس ورواه النسائي”.
فإن الله سبحانه وتعالى قد بيّن في كتابه الكريم ووضّح
وجلّى وأظهر حقيقة ما صار للمسيح عيسى ابن مريم عليه
السلام من : عدم قتله ونفي صلبه وأنه رفعه إلى السماء ، كما بيّن
القرآن الكريم وتواترت السنة النبوية بأنه سينزل عليه السلام
في آخر الزمان وأن نزوله من علامات الساعة كما سيأتي بيانه
وبيّن القرآن الكريم أن اليهود الذين ادعوا قتل المسيح وصلْبه
والنصارى الذين جاروهم بجهلهم في اعتقاد ذلك بيّن القرآن
أنهم ليس لهم بذلك من علم ؛ وإنما لديهم الشكوك واتباع الظن.
ونحن المسلمون نحمد الله تعالى الذي بيّن لنا ذلك أتم البيان
وأوضحه ؛ فنعتقد وندين بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله
عليه الصلاة والسلام )ومن أصدق من الله قيلاً( )ومن أصدق
من الله حديثاً(.
وربما يسأل سائلٌ فيقول : إذا كان اليهود يتبجحون بزعمهم
الكاذب أنهم قتلوا المسيح عليه السلام بل صلبوه لأنه عدوّهم
؛ والصلب عندهم يستلزم اللعنة !! فماذا يقول النصارى وقد
وافقوا اليهود في قولهم بصلب المسيح ماذا يقولون في سبب
صلب من يعتقدون أنه الرب أو ابن الرب ؟!! وللإجابة على
هذا السؤال أقول : إن النصارى يوافقون اليهود ويعتقدون
أن المسيح مات مصلوباً وتعليلهم لذلك : أنه صُلِب فداءً للبشر
لتخليصهم من خطيئة أبيهم آدم عليه السلام التي انتقلت إلى
أبنائه بالوراثة !! وهي أكله من الشجرة التي نهي عنها ! فيقول
النصارى : إن هذه الخطيئة أغضبت الرب على أبناء آدم ، ومنذ
أن وقع آدم في الخطيئة والرب غضبان على بني آدم ! فكان لا بد
من وسيط يتحمل هذا الإثم ويرضى بأن يموت على الصليب !!
وهذا الوسيط لا بد أن يكون ذا وضع مميز خالٍ من الإثم والخطأ
ولا يكون هذا إلا ابن الله الذي هو الله في زعمهم وبعد قتله
وصلبه يرضى الله على بني آدم !!
وبعد خروج المسيح الدجال ، وإفساده في الأرض ، يبعث
الله عيسى ابن مريم عليه السلام ، فينزل إلى الأرض، ويكون
نزوله عند المنارة البيضاء شرقي دمشق ، واضعاً كفيه على
أجنحة ملكين ، إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمان
كالؤلؤ ، ويكون نزوله على الطائفة المنصورة التي تقاتل على
الحق ، وتكون مجتمعة لقتال الدجال فينزل وقت إقامة الصلاة
، يصلي خلف أمير تلك الطائفة . وقضية نزول عيسى ابن مريم
عليه السلام في آخر الزمان من القضايا المحسومة لدى علماء
المسلمين ، وقد أجمع عليها العلماء بناءً على ما ورد في نصوص
الكتاب الكريم والسنة النبوية مما يثبت ذلك ، بل إن الأحاديث
التي وردت في إثبات ذلك قد بلغت حد التواتر.
وأواصل في الحلقة التالية بمشيئة الله تعالى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى