مقدمة ديوان نحن والردى

الدكتور عبد الله الطيب

(صدر في عام 2000م ديوان “نحن والردى” للشاعر الفذ صلاح أحمد إبراهيم, وقدم له الدكتور العلامة عبد الله الطيب, ورأيت أن أشرك القارئ الكريم في الاطلاع على مقدمته لما فيها من ثناء للشاعر وشهادة بكمال شاعريته من أديب علامة في قامة الدكتور عبد الله الطيب)

كامل عبد الماجد

قرأت في زمان مضى كلمة للأستاذ صلاح أحمد إبراهيم رحمه الله بعنوان (ماتوا سمبلة) أحسبها مقالة أو قصة يصف فيها جنوبياً لم يحدد قبيلته بيده أداة موسيقية يترنم بها ويغني مردداً (ماتوا سمبلة) وسمبلة تحريف للكلمة الانجليزية Simple سمعها المترنم الجنوبي فترنم بها وليس في غنائه (ماتوا هملة) كما نقول في العامية أي بدون سبب وفي المقالة حزن شديد وكأن المغني يرثي القتلى. أثرت في نفسي تلك المقالة وأحسست فيها رقة بالغة..

قرأت لصلاح من شعره من بعد، وأسفت لأنه ترك الوزن الرصين الذي في مدحه لصهره الشفيع أحمد الشيخ: يا شعب إن أبدى الجبان خنوعاً لا تيأسن فقد ولدن شفيعا/ ذكر أنه نظم هذه الأبيات وهو ابن عشرين وهي سن العمر الحلو كما قال شكسبير، فلعله لو أن استمر على هذا النسق يلحق بطبقة التجاني رحمه الله. هذا الشعر الحديث ادعى جماعة اختراعه وادعت السبق إليه نازك الملائكة وأعجب أنها استشهدت بأبيات الناقوس المنسوبة إلى علي كرم الله وجهه وبكون علي هذا سيدنا علي هو من اخترع هذا الوزن.

كانت روايات شكسبير مقررة علينا في كلية غردون، وكنا به معجبين وما كنت أرى شعره المرسل إلا نثراً وكان الشعر الإنجليزي الموزون لا يعجبني لضعف وزنه مع توجه صلاح رحمه الله نحو الشعر الحر أي النغم البارع القديم الرصين إلا ان ينبثق من أسطره الجباد لا سيما نغم بحر الرمل كما في قوله:

(يا زكي العود بالمطرقة العصماء والفاس تشظى

وبنيران لها ألف لسان تتلظى

ضع على صوتك في الناس اصطباراً ومآثر

مثلما ضوع في الأهوال صبراً آل ياسر

فلئن كنت كما أنت عبق فاحترق)

فالبيت الأخير قمة في حسن التعبير فهو يقول للمجاهد المناضل الصابر المخلص الحسن الأعمال وأنت عطر فائح الطيب بعملك الطيب، ولكن زكاء عطرك يفوح حقاً حين يحترق لذلك فاحترق يا أيها الطيب العبق الرائحة لكي تفوح وينتشر طيبك) في شعر صلاح إشارات إسلامية قوية كقوله:

(فابطشي ما شئت فينا يا منون

كم فتى في مكة يشبه حمزة)

ولم يفجع الرسول صلى الله عليه وسلم بأوجع من مقتل حمزة, والإشارة الإسلامية غير ما قدمنا كثيرة في شعر صلاح رحمه الله مثلاً:

(وضمير لم يذق والشعب في السبي اغتماضة

وبقلب كحجيج محرم عند الإفاضة)

ومثلاً:

(ونزوع للذي خلف الحجاب

برهة من سرمد الدهر أقمنا

ما عرفنا بم أو فيم أتينا وانتهينا)

وقال صلاح يفتخر:

نترك الدنيا وفي ذاكرة الدنيا لنا ذكر وذكرى

من فعال وخلق

ولنا إرث من الحكم والحلم وحب الآخرين

وولاء حينما يكذب أهليه الأمين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى