(مدني).. قاتل الأمل وصانع الخراب (2)

 

نواصل التعليق على قرار السيد وزير التجارة والصناعة مدني عباس مدني القاضي بحظر صادر الفول السوداني ومنتجاته الذي كان بمثابة الكارثة على منتجي الفول السوداني، وأصابهم بالإحباط وأخرجهم من جو الفرح بالبداية المبشرة للأسعار في هذا الموسم ذي الإنتاج الوفير من المحصولات برغم ارتفاع تكاليف الإنتاج لهذا الموسم، إلا ان البداية كانت مبشرة، لكن قرار الوزير أحبط الجميع، ومثل هذه القرارات التي تكون عادة مبنية على توصيات تحالف لأصحاب مصالح ضيقة مثل المصدرين الكبار وملاك مصانع الزيوت والوسطاء موجهة لخدمة أجنداتهم ولا تخدم مصالح الشعب الكلية، ولا تسند المنتجين ولا تدعم مسار الاستقرار للحكومة بقدر ما تخلق للحكومة بيئة صراع عنيف وخطاب استقطاب حاد، يعمل على تحييد الشعب عن دعم وإسناد خطوط وبرامج الحكومة وسيظل مثل هذا القرار موقفاً سلبياً يسجل في تاريخ هذا الوزير الذي يجهل نقطة النجاح التي يمكن أن يبدأ بها، ولعل أكبر أخطائه هذا القرار الذي جعل الحكومة تسقط في نظر (العتالي) و(بائعة الشاي في سوق المحصولات) قبل المنتجين والتجار وجعل هؤلاء  يتساءلون عما إذا كان هذا الوزير يدرك أوضاعهم وما يعتريها من سوء وعوامل القحط وما تنطوي عليه من ظروف معيشية طاحنة وغلاء في أسعار الدواء والعلاج والمنتجات الزراعية القادمة من مناطق جغرافية أخرى.

على الحكومة إذا أرادت وضع حلول جذرية لأي قضية لابد من إشراك أصحاب المصلحة حتي تنسجم أفكار الحكومة وعواطفها وأقوال وزرائها وخطواتهم مع المصلحة العامة للمستفيدين والمرحلة التي يعيش فيها الشعب، أما استيراد الحلول من نمرة (2) ومطاعم (الرياض)  بالخرطوم وجلسات آخر الليل في فنادق العاصمة إن في ذلك تضييعاً لمصالح الغبش وللجهد الحكومي المبذول بشكل يضاعف الداء ولا يصنع الدواء، إذ أن أي قرار يصدر بهذا الشكل في ميدان القضايا العامة يكون جهلاً وانتحاراً لمصدره ليس إلا.

ومن المعلوم بالضرورة أن صدور أي قرار لعلاج مشكلة مرتبطة بعوامل زمنية ونفسية ناتجة عن فكرة محددة توثق من ميلادها لشكل الأزمة وتمرحلها وتطورها اجتماعياً واستراتيجياً، وأن قرار مدني عباس مدني مخالف لكل الصياغات الزمانية والأبعاد النفسية لمجتمعات في ذهنها أن مجتمع المركز لا يدرك مشاكله وأبعادها وغير مؤهل لدراستها وعلاجها، ومن هذه الشكوك والفروقات المفاهيمية الشاسعة تولدت مصطلحات سياسية مثل (صراع المركز والهامش)  والحكم الفدرالي والمركزية القابضة ومصطلحات أخرى جميعها استخدمت في أدوات ولغة الصراع السياسي والأزمة السودانية، بل وظفت في نطاق الدورة الجهنمية لصراع الحكم في السودان والذي لم يتم حسمه منذ الاستقلال ولم يتوصل الجميع إلى حلول توافقية حتى تاريخنا هذا لسبب واحد أن هناك قرارات وأشخاصاً يزكون هذه الآليات الخلافية، ومثل قرار وزارة التجارة والصناعة يمكن أن يفتح جبهة قتال تتوحد فيها كل الأجسام المتشابهة.

أختم وأقول إنني شخصياً منحاز حضارياً لقضية كهذه أرى أنها عادلة وفيها ظلم للغبش والغلابة، ولماذا يظل المنتجون رعاة ومزارعين يتحملون ترخيص اللحوم والبيض وهم يشترون الدواء والبصل والعلاج والسكر والمنتجات الزراعية الأخرى بأسعار خرافية ولا أحد يحتج، لكن الناس تقود حملات وتحريض للناس ليقاطعوا اللحوم حتى ترخص الثروة الحيوانية دون أن يسأل الناس عن الظروف المحيطة بهذا المنتج وما يعانيه من أتعاب وارتفاع تكاليف وغياب الدور الحكومي الداعم والمساند له.

كل جغرافية في السودان لديها ميزة نسبية في إنتاج المحصولات ومعروف الضأن والأبقار والفول السوداني منتجات لجغرافية محددة في السودان وتحتاج بحسب ظروفها الى تمييز إيجابي في كل شيء وتسهل لإنسانها كل سبل الراحة حتى يبدع في زيادة إنتاجه ورفع قدراته من أجل النهوض باقتصاد الوطن وخيراته..

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى