نعيمٌ وجحيمٌ!!

 

تفاقمت الأوضاع المَعيشية في البلاد.. ومع تطاوُل الصفوف أمام المخابز بَحثاً عن الرغيف الحافي.. ارتفعت أسعار السلع الضرورية من زيوت طعام وفول وعدس، وتفاقمت مُشكلة المُواصلات في ولاية الخرطوم بصفةٍ خاصةٍ، تبعاً لذلك ارتفعت أسعار مواد البناء والخضروات وهبط سعر الجنيه السوداني مُقابل الدولار الأمريكي وحكومة الثورة ترمي كل أسباب فشلها في الدولة العميقة.. وهي تتكئ على حائطٍ من الجالوص في فصل الخريف.. وكل ما تملكه الحكومة إصدار قرارات الفصل والإعفاء وتعيين المُريدين والرفاق وتسكينهم في الوظائف الحكومية لكسب العيش ومُكافأة المُناضلين على تضحياتهم، وتملك الحكومة مخزوناً جيداً من الخُطب التبريرية لفشلها في تحسين الأوضاع المَعيشية لعامة الناس حتى الآن..!!

الأسرة الصغيرة التي تتألّف من أربعة أشخاص لا يكفيها مبلغ ألف جنيه في يومين.. الطالب الذي يَدرس في مرحلة الأساس لا يقل مصروفه اليومي عن (50) جنيهاً.. والطالب الجامعي لا يقل مصروفه اليومي عن (70) جنيهاً مُواصلات ذهاباً وإياباً ووجبة إفطار وكوب عصير.. ورواتب العاملين في الدولة ظلّت من غير زيادة منذ 2013م.. وبعد تنامي الاحتجاجات في الشارع حاولت الحكومة السابقة إطفاء حريق الشارع بكوب ماءٍ باردٍ، وجاءت بفكرة زيادة الـ(500) جنيه للعُمّال والتي لا تعني شيئاً.

الآن بدأت الحكومة الإعداد لمشروع الميزانية الجديدة.. وينتظر إعلان زيادات كبيرة في رواتب العاملين بالقطاعين الخاص والعام تصل إلى (100%)، ولكن الزيادات المُنتظرة لن تغطي احتياجات الأُسر في ظل الأوضاع الراهنة.. أسواق تشهد ارتفاعاً جُنُونياً في الأسعار وإصرار غير موضوعي من قِبل الحكومة خوفاً على نفسها من غضب الجماهير بالإبقاء على الاقتصاد (مُشَوّهَاً) بالدعم الذي يذهب للأثرياء فقط.. ويفتح أبواب البلاد شرقها وغربها لتهريب الوقود والدقيق في ظل عجز السُّلطات عن مُلاحقة المُهرِّبين.. وأصبح وزير المالية وحده يُغَرِّد في وادي التحرير الاقتصادي الذي يعني التّعافي ووفرة السلع من دقيق وجازولين وبنزين ولكن بأسعار أعلى من الحالية.

يوم أمس كُنت في زيارة لمدينة بارا عاصمة الماء والجمال والمدينة التاريخية التي هَجرها أهلها للخرطوم وأم درمان وأوروبا.. ووجدت الخبز مبذولاً في الطاولات الخشبية يُنادي أصحابه للزبائن وسعر القطعة الواحدة (3) جنيهات وبحجم يعادل ضعف حجم الرغيفة في الخرطوم.. بعد ثلاث ساعات وصلت الخرطوم عبر طريق الصادرات الذي قيل لنا حمدوك، قرّر إنشاء طريق بديل بمسارين قبل حُلُول الخريف القادم حتى يستريح أهل كردفان وتلك قصة أخرى.. ولكن في الخرطوم وجدت صُفُوف الخُبز تطاولت وتمدّدت.. وأصبح الأطفال يتّخذونها أي الصفوف ملهاةً لسد فراغهم في الأمسيات.. والنساء في صفوف وكتل بشرية تقف في الشوارع انتظاراً للبصات والحافلات.

وأمس تفتّقت عبقرية ولاية الخرطوم لحلولٍ فاشلة (جرّبها) النظام السابق وهي قطار الخرطوم – بحري وقطار الشجرة والمسيد، وغداً يخرج علينا أحدهم فكرة العودة للنقل النهري.. والحل سهلٌ يتمثل في قرار بتحرير الخُبز وتحرير الوقود ومُواجهة الشعب بالحقيقة (المُرّة) بأنّنا دَولة مُستهلكة وحتى يتحرّر القرار من التبعية لدول الخليج، علينا بناء وطننا بأنفسنا وإصلاح تشوُّهات اقتصاده بالحُرية وإلغاء الدعم الظالم للولايات.. حيث تعيش الفئات المُقتدرة على حساب الفئات محدودة الدخل ويذهب الدعم لغير مُستحقيه في دولة الرعاية الاجتماعية المزعومة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى