هل من سبيلٍ إلى مُوازنة مقبولة..؟

 

الصوت الأعلى لحكومة حمدوك، هو الهيجان السياسي والتشنّج الأعمى في تصفية الخدمة المدنية وتسييسها واعتساف القانون وسوء استخدامه وتوجيهه للأغراض الحزبية واقتناص الخصوم، لذلك صار أداء الحكومة منقوصاً مُتخماً بالتناقضات والقرارات الخاطئة والتقديرات السياسية المنخفضة القيمة غير الصالحة لبناء أي مستقبل واعِد للفترة الانتقالية، بالإضافة إلى حالة تشبه العجز والشلل الكامل في تحقيق تقدّم ملموس يحسه المواطن وينفعل به، وهذه ليست مجرد تقييمات اعتباطية مُتسرّعة إنما اعترافات الحكومة ورهط الناشطين السياسيين المؤيدين لها وقوى إعلان الحرية والتغيير التي تهرب كل يوم إلى الأمام، وتتبنى توجّهات تتناقَض مع ما ترفعه من شعارات .

لكن ما يهمنا هنا وفي هذا الظرف، هو الكيفية التي تعُد بها الحكومة الانتقالية، مشروع الموازنة للعام ٢٠٢٠م، وقد ظهر جلياً الارتباك المُحيِّر في تصريحات رئيس الوزراء ووزير المالية، التي لم تُعطِ حتى الآن مؤشّراً إيجابياً حول الموازنة المقبلة، فلم نستبِن حتى اللحظة ملامحها ولا مرتكزاتها وبرامجها، ولها السبب في ذلك هو غياب البرامج والمشروعات والخطط الحكومية التي يُبنى عليها مشروع الموازنة، فالحكومة كما قالت من قبل إنها تملك برنامجاً وتفصيلاً لخطة لمدة ستة أشهر، وسارعت الحرية والتغيير بإعلان برنامج مليء بالشعارات السياسية ومسرف في الأحلام، وذلك بعد انتقاد حمدوك للحرية والتغيير بأنها لم تسلمه برنامجاً ولا خطة، خلال مخاطبته اجتماعاً للجالية السودانية بالعاصمة السعودية الرياض التي زارها في معية رئيس مجلس السيادة .

ما يُشكّك أكثر في قدرة الحكومة على إعداد موازنة واقعية وعملية مقنعة وفيها مقدمات للإصلاح الهيكلي للاقتصاد، هو حديث وزير المالية في مؤتمره الصحفي الأسبوع الماضي عقب عودته من الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد مشاركته مترئّساً وفد السودان في الاجتماعات المشتركة بين صندوق النقد والبنك الدوليين، حيث أشار أن الموازنة المقبلة للعام ٢٠٢٠م ستعتمد على دعم الأصدقاء، ويعني ذلك انتظار الهبات والمساعدات والمنح التي رفض رئيس الوزراء من قبل فكرة الاعتماد عليها، معوّلاً كما قال على مواردنا وتطويرها وعلى الذات السودانية في علاج أمر اقتصادها العليل.! وهنا التناقُص واضح بين ما طمِح فيه رئيس الوزراء وما طمِع فيه وزير المالية .

يكاد الجميع يضعون أياديهم على قلوبهم خوفاً وهلعاً وجزعاً من غياب ملامح الموازنة وقد شارف العام ٢٠١٩ على الانتهاء، ولم نر حتى اللحظة مناقشات في أروقة وزارة المالية، وكل وزارات القطاع الاقتصادي، ولا ورش وحلقات النقاش حول الموازنة ومشروعاتها وفصول بنودها ومستوياتها، وما اعتمدت عليه، وكيفية تنفيذها وكيفية إجازتها، فالموقف غامضٌ جداً، لا مُبشّرات ولا بُشريات، فكل الأحاديث التي تُطرح في الهواء الطلق وما يقوله نفرٌ من سياسيي الحرية والتغيير تغريد خارج السّرب وضرب نار بعيد عن (التختة).

نُطالب السيد رئيس الوزراء وحكومته أن يتركوا هذا الهذيان السياسي المحموم والبحث عن معارك وهمية والكف عن العسف والفساد الإداري والتجاوزات التي لا حدّ لها، وذبح الخدمة المدنية ولوائحها وقوانينها، مع العبث والفوضى العارمة والاستهتار بالتقاليد والأعراف الإدارية المرْعيّة من عقود طويلة، فما تفعله الحكومة وقوى الحرية والتغيير لا طائل من ورائه، وسيُعقّد الأوضاع الإدارية ويخلق أزمات سياسية ستكون الحكومة هي الخاسر الأكبر منها، فرئيس الوزراء أُلقِي مكتوفاً في الماء، ويحاول أًن لا يبتل بالماء، كما طلبت منه الزمرة السياسية المُتنمّرة بالسلطة والمُستَنسِرة إلى حين تلاشي دورها، إذا لم ينتبه إلى خطورة الجُب الذي وقعت فيه حكومته وانشغالها بالمماحكات السياسية والشعارات الخواء، ونسيانها لواجباتها الرئيسة وإعداد موازنة تُخاطب القضايا الحقيقية التي تُمثّل هم المواطن.

سيجد السيد حمدوك نفسه أمام خيار صعب، قد لا يستطيع معه الاستمرار أو قيادة حكومة تعاني من الشلل الارتعاشي مع فشل في وظائف الأعضاء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى