مرمي البصل.. لا يرفعه إلا البصل!!

أحفظ لمحترفي زراعة محصول البصل قولهم (إن مرمي البصل لا يرفعه إلا البصل)، بمعنى إن أبطأ بك سعر محصول البصل في موسم من المواسم، فإنه لا محالة سيسرع في عام آخر لإنصافك،  فليس هناك، لأولياء وأقوياء هذا المحصول، إلا المزيد من زراعته في كل الأحوال.. 

ولا عزاء لمحصول البصل الذي وصلت أسعاره هذه الأيام أرقاماً قياسية،  فبرغم غلاوته لم يجد من يغزل في حقه بيت شعر يتيم، وذلك على شاكلة (قام يتعزز الليمون)، فهذا زمان يعز فيه البصل،  غير أني هنا أحاول أن أفرد له بعض مقال لعله يوافي حالة تفرده وتجبره ..

فمن أراد أن يقرأ جوهر قضية أزمة اقتصادنا، ومن ثم يلتقط قفاز مبادرة الخروج من أتون الأزمة، فليقرأ تراجيديا تقلبات (أزمة محصول البصل).. فالبصل الذي نذهب به إلى مكب النفايات في أوج مواسم إنتاجه ووفرته، هو في المقابل اليوم يبلغ أوج عظمته وندرته وغلاوته.. فليست هناك منزلة وسطى.

وما يعتري محصول البصل يعتري بقية أشقاء وأشقياء البصل، فعلى سبيل المثال أن كيلو الطماطم الذي يصل إلى تخوم المائة  جنيه، ينهار في المقبل في عز الموسم وتتدحرج أسعاره إلى درجة سحيقة، لدرجة أن يكون سعر صفيحة الطماطم أقل من عشرين جنيهاً..

 وبرغم ذلك  لا يجد المواطن بداً  في موسم الندرة من الذهاب إلى السوبرماركت لشراء الصلصة التركية المستوردة بالعملات الصعبة… وهنا نخسر خمس مرات، نخسر المحصول والمزارع والمستهلك والعملة الصعبة….

على أن حل الأزمة يكمن في قيام (ثورة الصناعات التحويلية)، التي من جهة تضيف قيمة إضافية لهذه المحصولات بتحويلها الى منتجات عصائرية، ومن جهة توفر للمواطن عبر المخازن الحافظة إمداداً طوال العام وبأسعار في متناول اليد

ومن جهة أخرى، وهذا هو الأهم، أن هذه الصناعة التحويلية تحافظ على بقاء المنتج في حقله، بحيث لا تسمح بانهيار أسعار المحصول..  وتنقذ هذه الثروة الهائلة من المحصولات التي تنتهي إلى مكب النفايات…

فانهيار أسعار المحصولات بالأحرى هو انهيار للمزارع المنتج، وارتفاع أسعار المحصول لهذه الدرجة الباهظة، هو في المقابل انهيار للطاقة الشرائية للمستهلك، على أن فلسفة (الاقتصاد) هي التي توجد الموازنة وتردم هوة المعادلة بين هذه المكونات…

مصلحة المنتج، فمصلحة المستهلك، ثم مصلحة الوطن بالقيمة المضافة التي تضيفها ماكينات الصناعات الغذائية التحويلية، عندما لا نصدر المانجو والبطبخ والليمون كمواد خام، على أن المحصولات تتضاعف قيمتها عشرات المرات بقليل من الجهد الصناعي التحويلي…

مخرج… الأثيوبيون يضعون عقوبة باهظة لمن يخرج بكيلو بن واحد غير (محمص)، لأن عملية التحميص البسيطة التي تكلف بضع دراهم، تضيف في المقابل عشرات الآلاف من الدولارات… وليس هذا كل ما هناك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى