جَاطت (1 – 2) !!

حَبسَ الناس أنفاسهم في انتظار الاجتماع المُفاجئ لمجلسي السيادة والوزراء.. بعد أن جاء في الأخبار أن الفريق ركن شمس الدين كباشي قال في تصريحات صحفية ما يلي: (خلصنا إلى عقد اجتماع مُشترك بين المجلسين غداً الأربعاء الواحدة والنصف ظهراً للنظر في إمكانية تعديل الوثيقة بما يُتيح لمجلس السيادة تعيين رئيس القضاء والنائب العام).

إذن كان المطلوب هو إجراء بعض التعديلات على الوثيقة الدستورية.. بما يعني تأكيد أن ثمة وثيقة سارية لكنها تحتاج لتعديل والتعديل عند النجار.

التأم بالقصر الجمهوري الاجتماع المُشترك ليقرروا ما يلي:

(اعتماد الوثيقة الدستورية بصورتها النهائية والتي تحوي (٧٨) مادة!!)..

يا للهول!!!

(شوف عيني بشوف أب رسوة طامح فوق).

كنا في حيرةٍ من أمر (زنقة) الوثيقة الدستورية حتى التأم المجلس، فبكينا حدّ التقرح على تلك الحيرة وأيامها.. وفرق كبير بين أن نراكم تتنكّبون الطريق مُحاولين الخروج، وبين أن تختاروا بنا موارد التهلكة وحتف أنفنا.

سَرقة عند الساعة الواحدة ظهراً بتوقيت البُؤس والخَيبة.

هي السابقة الأولى في تاريخ الأمم والشعوب والدساتير.

أن تتشكّل منظومة الحكم (سيادي ووزراء) وفق وثيقة دستورية مُحدّدة ومعلومة للكافة، ثم تأتمر المنظومة على أنّ ما يلزمها وما نحتاج إليه فعلاً هي وثيقة أخرى مُزيّدة ومُنقّحة.. ببساطة يحسدهم عليها (المُحقِّق الذكي) يستبدلونها بواحدة أخرى غير ذات قروح!!

كان بعض الظن أنّهم سَيجتهدون في إجراء بعض التعديلات هُنا وهُناك مع توقع مُجابهة معركة دستورية حَول حَق التّعديل، لكنهم (جابوها كبيرة)! لتفرغ الوثيقة من أيِّ معنى فلسفي وتاريخي ارتبطت به.. من حيث سموها على الكافة، ومفتتحاً لمبدأ المشروعية وكونها  العقد الاجتماعي المنشأ بين الجميع وليس بين أطرافه المُوقّعة فحسب.. من هذه الوثيقة ظننا أننا سنبدأ في التخلق مُجتمعاً لا افتئات فيه على أحدٍ، فيها وبها تأكّد السلطة بأنّ المُجتمع أكبر منها وسابق عليها، إقراراً منها بأنّ الذي وقّع يومها على الوثيقة هو المُجتمع دون أن يفعل.

(ذبحوها وما كادوا يفعلون).

تم محو هذه الإرادة وسحقها عند الساعة الواحدة ظهراً دون أن يرف لهم جفنٌ!!

ومن جهة أخرى، فإنّ مَا حَدَثَ بالأمس ليس أمراً هيِّناً يسهل تجاوُزه كما ظن إخوتنا في المجلسين المُوقّرين – اعتماد والسلام -، بل إن هذا الاعتماد وبذات التبسيط المُتجاوز المُخل الذي تم به فإنّه يحمل في طياته بذور النهاية المأساوية للتجربة الانتقالية التي ابتنت – عبر هذا الاعتماد – سُلطاتها على جرف اللا قانون واللا مشروعية الهار.

تنهار القيم حين يتخلى أصحابها عن الأخلاقية المطلوبة.. والشعار الذي لن تنساه الشوارع:

(حرية.. سلام وعدالة)!

هذا الشعار ذبحه اجتماع الأربعاء بسكين ميتة وصدئة، بينما كانت تلك الفرصة المُلائمة لضبط إيقاعه وسريانه بين الناس واقعاً عملياً معاشاً.. فقيمة الحرية كواحدة من القيم التي انشغل بها العقل البشري منذ الأزل، تقوم على أنّ أساس الحكم يتحدّد وفقاً لـ(الإرادة الطائعة) اختياراً ورضاءً لا (القوة القاهرة)، وهذا يعني أنّ الحاكم إذا تعدى حُدُود العقد الذي اُختير بمُقتضاه، فإنّه يُحِلُّ المُواطنين من التزام الخُضُوع.

العدالة هي القيمة الثانية التي لا حياد عنها، والمتمثلة في فكرة أن الحق لا القوة هو أساس كل مجتمع وأساس خُطة كل نظام سياسي.

ولا شك أن الضلع الثالث في شعار الثورة (سلام) لا محل له من الإعراب ليصير حُلُماً بعيد المنال أمام ضياع الضلعين الرئيسيين (الحرية والعدالة).

بس كتِّروا الدقيق!!

أها النزيدكم من العجين.

اعتماد مجلسي السيادة والوزراء لا معنى له وليس منصوصاً عليه في أيٍّ من الوثيقتين (78/70).. زيادة ونفل بلا أدنى قيمة قانونية!!

وتاني…

بسرعة البرق عجلت وزارة العدل بنشر الوثيقة الدستورية.. تلك العجلة التي انتظرناها أن تأتي منذ تاريخ توقيع الوثيقة في 17 أغسطس، إلا أن (مطبخ الوثيقة) لم يأذن إلى الآن، وليته أجاد الإخراج، فقد نشرها في الجريدة الرسمية باعتبار أن المجلس العسكري المنحل هو من اعتمدها، حيث حمل المرسوم المعتمد للوثيقة الدستورية المنشورة في الغازيتة بالرقم (38) تاريخ 20/7/2019م.

(طيب اجتماع الخميس لزومو شنو)!؟

باختصار لم يحصل أيِّ تعديل على الوثيقة الدستورية المُوقّعة ليلة (الأصم وإسراء).. والا لرأيناها منشورة في الجريدة الرسمية ومعها الإشارة إلى التعديل بتاريخه.

أظن أن المعركة القانونية تحتاج إلى اللجوء لخبراء الخطوط في معامل الأبحاث الجنائية لمعرفة تواريخ التواقيع وذلك أمر هين وسهل.

أخاف من تكرار واستنساخ تجربة جيراننا، اغتيالاً لمؤسسات العدالة وإعلاناً مكتوباً لموت نزاهتها والضمير.. الذي تجترحه الآن بعض الجُيُوب مجتهد حثيث بلا جدوى ولا طائل منه إلا إنتاج مزيدٍ من النفوس المريضة، وصعود مشروعية انقضاء مُؤسّسات ما كان يُعرف بالدولة السودانية عروة عروة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى