دَرسٌ آخر..!

“كان عبد الناصر عظيم المجد والأخطاء.. عجبت لشعب يُمجِّد المهزوم ويشيطن المُنتصر”.. ناصر النشاشيبي..!

فِي إحدى اللقطات التي تُحيي ذكرى حرب أكتوبر، استوقفني حوار الإعلامي “عمرو أديب” مع الإعلامي والكاتب الصحفي “مفيد فوزي”.. أول مُحاور الحلقة كانت “ديوان الحياة” في تلك الحقبة من تاريخ مصر المُعاصر.. وقد استطاع السرد التاريخي لأهم تلك الملامح أن يجيب – على نحور شبه مباشر – عن السؤال الكبير التالي: “ماذا حدث لمصر اليوم”..؟!

كان عدد سكان مصر (43) مليون نسمة، وكان سعر البيضة قرشاً واحداً، وتذكرة “الترماي” كانت بتعريفة.. كانت قيمة المتر المربع لأغلى قطعة أرض سكنية لا تتجاوز الأربعين جنيهاً.. وكان سعر الدولار (38) جنيهاً في البنك المركزي، وكان سعره في السوق السوداء (69) جنيهاً.. وهذا يدلل على أن الفجوة الرقمية بين سعر البنك وسعر السوق – في وادي النيل – تاريخية..!

توقف النشاط الرياضي في مصر في تلك الفترة، فلا صوت كان يعلو فوق صوت المعركة، وتراجعت الجريمة بنسبة سبعين بالمائة أيام حرب أكتوبر، وتضاءلت حوادث سرقة الماشية في الريف.. وهذا يدلل على أنّ اللصوص والقَتَلَة وعُمُوم الخارجين على القانون – أثناء الحرب – كَانُوا يُؤازرون الجنود في ساحات القتال على طريقتهم.. أو كما قال مقدم الحلقة: حتى اللصوص والمجرمين “كان عندهم دم”..!

كان في حكومة السادات وقتها وزيران من الأقباط، وكان قائد الجيش الثاني قبطياً، وكان موسيقار الأغنيات الوطنية بعد انتصار الجيش هو “بليغ حمدي”، وكان أول مقال لتوفيق الحكيم بعد العاشر من أكتوبر هو “عبرنا الهزيمة”.. على الرغم من سُوء علاقته بالرئيس السادات.. وهذا يدلل على أن كُتّاب المقالات في مصر كانوا يُجيدون التفريق بين الوطن والحكومة..!

كان الرئيس السادات يؤمن بمقولة الرئيس عبد الناصر التي كان يردها في مجالسه الخاصة “أغنية لعبد الحليم حافظ تساوي جهد ثلاث وزارات”.. فغنى عبد الحليم “مطرب النظام في عهد عبد الناصر” أغنية “عاش اللي قال” في عهد السادات.. وكان الفنانون يترأسون موائد ضيوف الرؤساء من زعماء العالم، لقناعة السادات بقوة الفن الناعمة.. وكان شيخ الأزهر هو “عبد الحليم محمود” وكان مدير مكتبه هو “الشيخ الشعراوي”..!

لدواعي الحرب شارك الإعلام في عمليات خداع للعدو الإسرائيلي، وفي أرشيف صحيفة “الأهرام” ومجلتي “روز اليوسف” و”صباح الخير” عناوين صادمة عن وباء أصاب القمح، وعن وباء تفشى في تسعة مستشفيات، وقد تم إخلاء تلك المستشفيات، ولكن السبب الحقيقي كان الاستعداد لاستقبال جرحى الحرب.. وبعد انتصار الجيش المصري، كان أول سؤال صدر عن وزير الخارجية الأمريكي – الأسبق – “هنري كسينجر”: هو “كيف نجحت مصر في خداع العالم..؟!

ومن الوقائع التاريخية التي تدخل في قبيل المُفارقات السِّياسيَّة، موقف شاه إيران “محمد رضا بهلوي”، الذي أمر بأن تَتّجه جميع حاملات النفط إلى ميناء السويس.. وكان هذا الصنيع سبباً رئيساً لاستضافة الرئيس السادات له بعد أن أطاح به الثُّوّار في بلاده..!

وكانت أهم إنجازات الرئيس الأسبق “محمد حُسني مبارك” إعادة البناء الهيكلي للكلية الجوية، وتحويل طائرات التدريب إلى طائرات قتالية.. ثُمّ، كانت أول جملة قالها السادات بعد انتصار الجيش: “لقد أفقدنا العدو اتّزانه”.. وكانت أول كلمات الإعلام المصري: “يكفينا فخراً أنّنا حَطّمنَا أُسطورة الجيش الإسرائيلي”..!

والآن: عودة إلى السؤال الكبير: ما الذي حدث لمصر؟! الإجابة جاءت – أيضاً – على لسان ضيف الحلقة: “بعد ثورة “25 يناير” تراجعنا لأننا تَوهّمنا أننا قد أصبحنا زعماء.. نفهم في كل شيء.. ورأينا دوماً هو الأكثر صواباً.. وكأننا أساتذة في كل شيء”.. فهل – يا ترى – من مذكر؟!

منى أبوزيد

[email protected]

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى