قائمة الإرهاب.. عن ماذا تبحث واشنطن؟

تقرير: النذير دفع الله 

 على الحكومة الانتقالية الجديدة ألا تتفاءل كثيراً بالتغيير الذي حدث وتظن أنها بذلك ستغير نظرة العالم إليها في كثير من الملفات، سيما تلك المتعلقة بحقوق الإنسان، فتلك الحقوق هي واقع معاش بدلاً من (ثرثرة) وحديث لا علاقة له بالواقع، فتغيير الحكومات والأنظمة لا يعني تحسّن حالة حقوق الإنسان.

 هذا ما أوضحه المُهتمّون بملف حقوق الإنسان الذي أصبح واحداً من أهم وأكبر الملفات ذات الحساسية العالية لإزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب، حيث كشف مسؤول أميركي حسب ما أوردته (الصيحة) أمس أن إزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب لا علاقة لها بتغيير الإنظمة، وإنما هي عقوبات فُرضت على الدولة السودانية وستظل طالما الأمر يتعلق بالدولة، سيما وأن تلك العقوبات التي فُرضت ترتبط ارتباطاً وثيقًا بملف الهجمات الإرهابية إبان فترة الحكومة السابقة بهجمات سفارتي الولايات المتحدة بنيروبي ودار السلام. 

فيما تشير الوقائع عن ربط  واشنطن الأمر بتحمّل الحكومة الجديدة مسؤولية الحكومة السابقة أمر يدخل الحكومة الانتقالية دائرة التعاون الكامل مع الأسرة الدولية بصورة حقيقية والالتفات للقضايا القانونية المرتبطة بالهجمات الإرهابية في نيروبي ودار السلام، فضلاً عن أن الحكومة الانتقالية يجب ألا تكون لديها ازدواجية في التعاون مع واشنطن لما تحتاجه من دعم لمعالجة الديون وجذب الاستثمار، وأن واشنطن هي الوحيدة القادرة على غحداث تغيير واضح في الواقع السوداني إذا التزمت الانتقالية بحالة حقوق الإنسان وحرية التعبير.

 تلك هي الشروط التي وضعتها واشنطن قبل إزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب.

تفجيرات متزامنة 

تزامنت أحداث تفجير سفارتي أمريكا في نيروبي ودار السلام في السابع من أغسطس من العام  1998بواسطة شاحنات محملة بالمتفجرات أمام السفارتين وانفجرتا في وقت واحد تقريبًا مما أسفر  عن مقتل 213 شخصاً في نيروبي، إضافة إلى أحد عشر شخصاً في دار السلام كانت غالبيتهم من الكينيين. 

على إثر ذلك، كان رد فعل الولايات المتحدة بأن قام الرئيس بيل كلينتون  بقصف عدة أهداف في السودان وأفغانستان بصواريخ كروز، وقد دمرت هذه الصواريخ في السودان مصنع الشفاء للأدوية الذي كانت تصنع به 50٪ من الأدوية في السودان، وأعلنت إدارة الرئيس كلينتون أنه توجد أدلة كافية لإثبات أن المصنع ينتج أسلحة كيميائية، ولكن أثبت تحقيق بعد القصف أن هذه المعلومات كانت غير دقيقة. واتهمت السلطات الأمريكية 22 شخصاً في مؤامرة تفجير السفارتين  يأتي على رأس قائمة المتهمين أسامة بن لادن.

المدمرة كول..

  لم يمض عامان على تفجير سفارتي نيروبي ودار السلام حتى تفاجأت أمريكا بتفجير آخر استهدف ناقلة الصواريخ الأمريكية المدمرة كول قبل ظهيرة يوم 12 من أكتوبر للعام 2000م والساعة تشير للحادية عشرة وربع عندما اقترب قارب صغير من  حاملة  الصواريخ الأمريكية  الموجهة والتي كانت تقف عند عوامة للتزود بالوقود  والتي كلف بناؤها أكثر من مليار دولار، حيث اصطدم بها محدثاً انفجاراً خلف وراءه فتحة بطول 12 متراً بجانب الناقلة وقتل 16 شخصاً من الملاحين وإصابة 39 آخرين بجراح حيث تم فيما بعد اكتشاف أن منفذي العلمية أعضاء في تنظيم القاعدة، وبعد أكثر من عامين قضت محكمة يمنية بمحاكمة المتهمين بالإعدام.

 لم يكن قرار المحكمة اليمنية  بإعدام المتهمين أو قرار المحكمة الأمريكية بشأن تعويضات أسر الضحايا ذات جدوى أو قيمة بقدر ما تمثل كل هذه الأبعاد المساس بالسيادة الوطنية فيما يختص بالقانون الدولي واحترام المعاهدات الدولية الأمر الذي يفتح الباب أمام الحكومة الأمريكية أن تتقبل كل توابع هذه الإجراءات مستقبلاً، لأن الحكومة الأمريكية هي التي سمحت للمحاكم الأمريكية بمقاضاة بعض الدول التي تراها هي راعية للإرهاب، حيث أنه لا تستطيع الحكومة الأمريكية المطالبة رسمياً بهذه الأموال وإنما بمصادرة الأموال الموجودة لدى البنوك وفق قانون العقوبات الأمريكية.

شراكة إستراتيجية..

مدير مركز الخرطوم لحقوق الإنسان والخبير في القانوني الدولي أحمد المفتي أكد لـ(الصيحة)، أنه يجب على الخرطوم أن تتأكد من الكيفية التي بموجبها فُرض القرار وعلى ماذا تأسس ذلك القرار، وأشار المفتي أن الولايات المتحدة في صدر قرارها المتعلق بفرض العقوبات قالت إن السودان يشكل تهديداً للإستراتيجية والأمن القومي الأمريكي، مطالبة بكيفية معرفة هذا التهديد الذي يتكون من شقين، أحدهما مرتبط بالأنظمة الغسلامية ـ أي الحركة الإسلامية والتي تنتشر في عدد كبير من الدول ــ ما يهدد السياسة الأمريكية.

 وأضاف المفتي: لابد للسودان أن يكون قريباً من السياسة الأمريكية والأكثر من ذلك أن تكون أمريكا شريكاً أساسياً واستراتيجياً في كل ثروات السودان وموارده الطبيعية، وأقر المفتي بأن السودان ينقصه رأس المال والتكنولوجيا، وهو ما تمتلكه أمريكا، وعندها ستدافع عن السودان، مشيراً إلى أنه يجب مشاركة أمريكا في الصمغ العربي ومشروع الجزيرة مناصفة سيما وأن السودان لديه موارد كبيرة لا يستطيع إدارتها.

 وكشف المفتي أن أمريكا تتعذر بصغائر القضايا من حقوق إنسان وغيره من أجل تهدئة الرأي العام الأمريكي سيما وأن هناك بعض الجهات والمؤسسات الأمريكية التي تواجه الحكومة الأمريكية بمثل القضايا داخلياً. 

مصالح أمريكية 

البروف الفاتح محجوب، مدير مركز الراصد، قال إن واحدة من إشكالات الحكومة السودانية أنها توفّرت لها أكثر من فرصة كان يمكن استغلالها والخروج من القائمة الأمريكية، سيما وأن أمريكا لديها مقولة مع الرئيس أنور السادات (أنها لا تُعطِي ثمن ما يُهدى إليها)، مضيفاً: كان يجب على المفاوض السوداني التفاوض على المقابل قبل الدخول في أي تفاوض، سيما وأن الحكومة السودانية تلقّت وعوداً كثيرة بإزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب إذا أحرزت نتائج في ملف الجنوب.

 وشدد محجوب على أن المشكلة الكبرى هي عدم وجود مصالح مع أمريكا، خاصة وأن الملف السوداني داخل الكونغرس متروك لجماعات ضغط  ذات مصالح أيدلوجية إما جماعات يهودية أو زنجية أو حركة كفاية، تلك هي التي تؤثر في صنع القرار لصالح السودان، لذلك على الحكومة السودانية التعامل مع تلك “اللوبيهات” مباشرة. وأوضح محجوب: لابد من وجود شركات ضغط أمريكية كبيرة لديها مصالح في السودان، لافتاً إلى أن يكون المفاوض السوداني سابقاً أُتيحت له فرصة بأن يحذف اسم السودان من قائمة الإرهاب وإزالة الديون، ولكنه أعطى دون مقابل، كاشفاً أن المفاوض السوداني الحالي عندما ذهب لأمريكا وهو يحمل في معيته تغيير نظام حكم إسلامي أيدلوجي في السودان وظنّ أنها كل الأسباب التي أدت لوضع السودان في القائمة السوداء فوجئ بأن الحكومة الأمريكية تفكر بأبعد من ذلك، عليه يجب أن تتعامل الحكومة السودانية مع “اللوبيهات” الموجودة داخل الكونغرس لأن أمر السودان متروك لهذه الجهات في التحاور مع الكونغرس، حيث لا تهتم الحكومة لأي جهة بعدم وجود تلك “اللوبيهات” وحشدها في صالح الدولة السودانية وألا ستتجاهل الحكومة الأمريكية كافة الرجاءات السودانية إذا لم يكن لديها مصالح في السودان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى