فوبيا الدولة العميقة!

نفت “قحت” وجود دولة عميقة! جاء ذلك من خلال حوار أجرته صحيفة “آخر لحظة” مع الأستاذ وجدي صالح الناطق الرسمي للجنة التنسيقية لقوى الحرية والتغيير! واستدرك الرجل أن هناك دولة خفية في بعض مؤسسات الدولة! ولك عزيزي القارئ أن تتأمل هذا التصريح عساك تخرج منه بنتيجة قابلة للقياس والحساب! ثم قارن النتيجة ببعض القرارات التي صدرت فعلاً عن الحكومة وأطاحت بكفاءات وخبرات وطنية بحجة أنهم فلول الدولة العميقة!

السيد رئيس الوزراء أصدر قراراً بإعفاء د. محمد عثمان إبراهيم أمين عام ديوان الضرائب وتعيين آخر مكانه! وطبيعي أن يُفهم هذا القرار على أنه في إطار تصفية الدولة العميقة التي ينفي وجودها الناطق الرسمي باسم اللجنة التنسيقية لـ”قحت”، خاصةً وأن الأمين العام المُعفى من الخبرات والكفاءات المعروفة محلياً وعالمياً في مجال الضرائب، وهو رجل صاحب دقّة وهِمّة وحرص لافت على المال العام وإيرادات الدولة وإدارة العملية الضريبية بعدالة وصرامة .

د. حمدوك – وفي إطار تصفية الدولة العميقة المُفترضة – أصدر قراراً بإعفاء أ. د. مصطفى محمد علي البلة وكيل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتعيين آخر مكانه! وطبيعي أن يكون ذلك بتوصية من الوزيرة المختصة إنتصار صغيرون صاحبة التصرفات العرجاء والتصريحات الهوجاء التي استهدفت بها مديري الجامعات وعمداء الكليات وثُلة من القياديين المعروفين بالعلم والكفاءة والخبرة بصرف النظر عن اتجاهاتهم وميولهم السياسية.

السيدة الوزيرة إنتصار صغيرون يبدو واضحاً أنها متأثرة بكونها كانت ضمن مرشحي المؤتمر الوطني عام 2015م وأنها في عهد “الإنقاذ” صعدت إلى قمة كلية الآداب جامعة الخرطوم وعملت بعدد من اللجان العلمية لسنواتٍ طوالٍ، ولذلك تتعمد البصق على تاريخها وتحاول الهرب إلى الأمام! وتتعامل بهذا الانفعال الجامح والتصرفات الفطيرة إدارياً مُستخدمةً لغة ومفردات لا تليق بمن يتبوأ منصب وزير التعليم العالي والبحث العلمي، وهو بالتأكيد أمر مؤسف!

استقالة “32” مدير جامعة و”66″ عميد كلية و”44″ بروفيسور و”88″ من عمداء العمادات ومديري الشؤون العلمية احتجاجاً على لغة الوزيرة وعدم احترامها لهم وتجاوزها لإدارة جامعة أم درمان الإسلامية عند حضورها لمخاطبة اجتماع لما يُسمى بتجمع الأساتذة، ثم تعمدها الغياب عن حفل افتتاح مجمع الكليات الطبية بجامعة السودان برغم أنها مَن حدَّد تاريخ الافتتاح! هذه الاستقالات تؤكد على نزاهة وزهد هؤلاء العلماء والأساتذة في مناصب تنظر إليها الوزيرة ومَن خلفها على أنها “غنائم” مُستحقة وجزء من الدولة العميقة!

لا مشكلة ولا اعتراض على إعفاء أي مسؤول في أي مؤسسة طالما اقتضت المصلحة العامة ذلك فالتغيير سنة الحياة، لكن من المؤسف أن يتم تشريد عشرات من الكفاءات الوطنية باسم العدالة ومحاربة الدولة العميقة التي ينفون وجودها! ولعل التأريخ يعيد نفسه عندما عمد الشيوعيون أيام تمكنهم من رقاب مايو مطلع السبعينات وتحت شعار “التطهير واجب وطني” من تنفيذ مجزرة شملت حزمة من أكفأ العلماء أساتذة الجامعات من بينهم د.عبد الله الطيب ود. الحبر يوسف نور الدائم .. وهكذا تفعل أمواج التشنج العمياء!

 معارك انصرافية في غير معترك! فوبيا الدولة العميقة مُطبقة على القوم! الأزمات تتفاقم والبلاد تكاد تختنق، و”قحت” تنفي وجود “دولة عميقة، وفي ذات الوقت تستهدف كفاءات مهنية وخبرات علمية هي في أمس الحاجة لها في معركة البناء والنماء والخروج بالمواطن من نفق الغلاء والمعاناة! 

نسأل الله التوفيق للسلف والخلف، وأن يتعظ المُتأخِّرون بما فعل المُتقدِّمُون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى