تقرير مفوضية حقوق الإنسان..مَـــــن فضّ الاعتصام؟

قَدّمَت المُفوضية القومية لحقوق الإنسان، تقريراً حول عملية فَضّ الاعتصام وهو التّقرير الذي انتظره البعض طويلاً، حيث جاء التقرير يحمل جُملةً من المعلومات المُتعلِّقة بالاِنتهاكات التي صاحبت عملية فَضّ الاعتصام وتداعياته، وكشف التقرير عن جهاتٍ ارتدت زيّاً رسميّاً هي من قامت بفَضّ الاعتصام، فيما طالب التقرير بضرورة المُقاضاة على تلك الاِنتهاكات، بينما وجد التقرير نقداً من الرأي العام، سَيّمَا وأنّه لَم يُحَدِّد مَن أمر أو قَامَ بِفَضّ الاِعتصام ومَن هِي تِلك الجِهَات التي اِرتدت الزيّ الرسمي وقامت بفض الاِعتصام من أمام القيادة العامة  في انتهاكٍ وَاضِحٍ للحُقُوق والأمن الوطني..!

متابعة: النذير دفع الله 

المفوضية والرقابة 

رئيسة المفوضية القومية لحقوق الإنسان مولانا حورية إسماعيل، قالت إنّ المُفوضية القومية ليست جهة عدلية أو عقابية، وإنما مؤسسة رقابية تُراقب الأداء التنفيذي وسير العدالة، وأشارت انّ تقرير فض الاعتصام لا يجرم أيّة جهة ما وإنّما تناول بالتحديد ما حدث من انتهاكات ورصدها، ولكن تظل عملية التقاضي والتحري هي من شأن القضاء، ونحن من يُراقب تلك العملية، وكشفت حورية عن بعض الجهات التي لم تُبدِ تعاونها مع المُفوضية من حيث المعلومات، منها نقابة الأطباء الشرعية، مُؤكِّدة أنّ ما حدث في عملية فَضّ الاعتصام مَهما كانت الجهة هو انتهاكٌ واضحٌ يُنافي حُقُوق الإنسان، وقَطَعت حُورية عَن عَدم لُجُوء المُفوضية إلى أيّة آليات دولية أخرى بشأن التقاضي. 

تقاضٍ دولي 

عضو المفوضية البروفيسور أبو القاسم قور، أوضح أنه ليس من اختصاصات المفوضيتين تقديم أية شكوى أو تحيل أية قضية للآليات الدولية، وإنما يُمكن للشخص الذي اُنتهكت حقوقه أن يقوم بهذا الأمر بعد أن استنفد كل إجراءات التقاضي المحلي، وقال: تُوجد بعض التّقاطُعات القَانونية التي يجب على الجميع فهمها بالطريقة الصحيحة حتى لا تُؤثِّر في عملية حُقُوق الإنسان. 

تداعيات التقرير

 يقول التقرير، إنّه جاء على خلفية الأحداث التي صَاحَبت عَملية فَضّ الاعتصام من أمام القيادة العامة للقوات المُسلحة في 3/6/2019م  وتداعياته، والمُفوضية القومية لحقوق الإنسان تصدر هذا التقرير بناءً على التزاماتها ومسؤولياتها الواردة بدستور السودان الانتقالي للعام 2005م، واختصاصاتها وسُلطاتها وفق قانون المفوضية القومية لحقوق الإنسان للعام 2009 المُتّسق مع مبادئ باريس للعام 1991م.. وفيما يختص بالمُؤسّسات الوطنية لحقوق الإنسان ووفق ما نَصّت عليه المادة (9) (1) من قانون المفوضية، إذ ورد أن المفوضية تختص بحماية وتقدير حُقُوق الإنسان والتعريف بها ونشرها ومُراقبتها وتطبيق الحُقُوق والحُريات المُضمّنة في وثيقة الحُقُوق الواردة في الدستور.

ويجئ هذا التقرير شاملاً يسهم في إجلاء الحقائق بالقدر الذي أُتيح للمُفوضية بشفافية ومسؤولية وفق قانونها في المادة (5), على أن المفوضية القومية لحقوق الإنسان تكون مُستقلة في أداء مهامها واختصاصاتها واتّخاذ قرارها واستخدام وإدارة أموالها.

المرجعيات 

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، والعهد الدولي لحقوق الإنسان المدنية والسياسية 1966، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إضافةً للقانون الدولي لحقوق الإنسان والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب 1981 والميثاق العربي لحقوق الإنسان 2004 والمبادئ التوجيهية الصادرة بمبادئ باريس ووثيقة الحُقُوق بدستور السودان الانتقالي للعام 2005 والوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية 2019 المنشورة في الوسائط الإلكترونية وقانون المفوضية القومية لحُقُوق الإنسان 2009 ومبادئ توجيهية بشأن حرية التجمع السلمي الأوروبية (منظمة الأمن والتعاون الأوروبي)، ووسائل الإعلام، مقالات الصحف الصور الفوتوغرافية والفيديوهات، والشكاوى المُقدّمة للمفوضية، تقارير الجهات ذات الصلة، والاستماع لمقدمي التقارير، ولجنة فض الاعتصام المكوّنة من جانب المفوضية، وقانون الإجراءات الجنائية.

المنهجية

وَيَتّخِذ التّقرير الذي تَمّ عَرضه أمس على مَنظومة حُقُوق الإنسان،  مَنهجاً علميّاً مُختلفاً، فهو تقريرٌ تَحليليٌّ ومَعلوماتيٌّ للتطورات الاقتصادية والسياسية للحالة السودانية الديناميكية من منظور اقتصادي واجتماعي وثقافي أدّى في النهاية إلى الأحداث التي وَقَعَت.

الجهات الرسمية

وقال التقرير إنه تم استنطاق أو استجلاب عددٍ من الجهات الرسمية المعنية بتلك الانتهاكات، منها المجلس العسكري الانتقالي (الأمانة العامة)، وكذلك الشرطة باعتبارها أول محطة يتم فيها فتح البلاغات عن حالة الاِنتهاك لحُقُوق الإنسان، بينما النائب العام المُتمثل في النيابة العامة وهي مسؤولة عن التحري ومُتابعة الإجراءات والتصديق بدفن القتلى، فَضْلاً عن السُّلطات الصِّحيَّة من وكيل وزارة الصحة الاتحادية ومدير عام وزارة الصحة ولاية الخرطوم.

التقارير المُشابهة

وأوضحت المفوضية أنّها اعتمدت في تقريرها على بعض المعلومات من جهاتٍ أُخرى، وتقارير من جهات ذات صلة، منها تقرير الشرطة، وتقرير الطب العدلي، ومشرحة مستشفى أم درمان التعليمي، وتقرير مستشفى مشرحة الإكاديمي، ومشرحة مستشفى بشائر، وتقرير مستشفى رويال كير، وتقرير مركز الأحفاد للإرشاد لعلاج الصدمة النفسية (حالة ادعاءات الاغتصاب)، وتقرير لجنة الأطباء الشرعية المنشور بالوسائط الإلكترونية.

الراصد 

وقال التقرير، إنّه منذ اندلاع الاحتجاجات إثر الحالة التّصاعُديّة بجميع أنحاء السودان منذ ديسمبر 2018، سقط فيها عَدَدٌ من القتلى والجرحى، حيث ناشدت المفوضية القومية لحقوق الإنسان السُّلطات باحترام وحِماية حُقُوق الإنسان في مُقدِّمتها الحق في الحياة والتّجمُّع السلمي وحُرية التّعبير، فَضْلاً عن تكوين لجنة لرصد تلك الاِنتهاكات للفترة من ديسمبر من 2018 حتى أبريل 2019، لا سيما المُتعلِّقة بالقَتل والتّعذيب التي وقعت من جانب النظام من ذلك الوقت، مُستخدمةً القوة المُفرطة، وبلغ عدد القتلى في ولاية الخرطوم من ديسمبر 2018 إلى أبريل 2019 (32) مُواطناً، وبقية ولايات السودان (31) ليصل مجموع القتلى لـ(63) مواطناً كمعلومات رسمية، حيث علمت المفوضية القومية لحقوق الإنسان أنّ جميع البلاغات ما زالت قيد التّحرِّي ما عدا قضية المعلم أحمد الخير.. فيما أعلنت لجنة أطباء السودان المركزية التابعة لتجمُّع المهنيين السودانيين أنّ عدد القتلى وصل إلى مائة قتيل من قبل عملية فض الاعتصام التي هي موضوع التقرير.! 

فيما تحدث التقرير عن الاِنتهاكات التي حدثت في وقتٍ سابقٍ، منها تصريحات أحد قادة النظام السابق وفي مُقابلة تلفزيونية بوجود كتائب ظل قادرة على التضحية بحياتها من أجل الإبقاء على النظام.! 

فض الاعتصام

تناول تقرير المفوضية القومية لحقوق الإنسان، حالة فض الاعتصام في الفقرة (25) من التقرير والتي تقول إنه في صبيحة يوم 3/6/2019 وعند الساعة الرابعة صباحاً، قامت قوات مُختلفة بزي عسكري بالهجوم وفَض المُعتصمين من أمام القيادة العامة للقوات المسلحة، حيث المنطقة التي اتّخذها المُعتصمون ساحةً لنشاطهم..  وأوضح التقرير أنه أثناء فضّ الاعتصام سقط عددٌ من القتلى والجرحى بالرصاص ووسائل أذى أخرى، كما أُتلفت ممتلكات أفراد وجماعات ومُؤسّسات حول الاعتصام، إلى جانب ادّعاءات بوجود انتهاكات أخرى منها (الاختفاء، اغتصاب، تحرش وعنف جنسي وأذى نفسي)!!!

ويتبيّن من كل هذا أنّ ما شهده ميدان الاعتصام يُعتبر تجمعاً سلمياً ومشروعاً ينبغي للدولة أن تحميه، وقد فعلت حتى 2 أبريل بالنظر إلى أهم حق في التجمُّعات وهو الحق في الحياة وعدم تعرُّض المُواطنين للمُعاملة اللا إنسانية أو المهينة وفق وثيقة الحقوق المُضمّنة في دستور البلاد وقتذاك، كان حريٌّ بالدولة ومُنفِّذي قانون حفظ الأمن عدم اللجوء إلى القوة المفرطة في فَضّ الاِعتصام، فربما عدم التدخُّل في بعض الأحيان يكون أفضل وسيلة لضمان التّوصُّل إلى نتيجةٍ سلميةٍ في كَثيرٍ من الأحيان قد يسبِّب تفريق التجمع حتى نُشُوء المزيد من المُشكلات.
وتبقى المُقاضاة على انتهاك حُقُوق الإنسان ما بعد الحدث خياراً مطروحاً، وهذا ما حدث بالفعل من تداعيات استخدام القُوة المُفرطة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى