المصالح قبل المبادئ!

الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية لا تتعامل في سِياستها الخارجية بالمُجاملات والعَواطف، هي دُول مُؤسّسات، لديها استراتيجيات موضوعة مُتّفق عليها، ووثائق مصالح وطنية استراتيجية مُعتمدة، ولديها مُؤسّسات حاكمة لا سبيل لتجاوُزها فيما يليها، وحلفاؤها ووكلاؤها في المنطقة مُستوعبون لتلك المُعطيات تماماً ويعلمون أن “التشليت والفَك عكس الهواء” واردٌ جداً عند تلك الدول متى ما اقتضت مصالحها الوطنية ذلك، ولعلّ حالة تعامُلهم مع “شاه إيران” وتخلِّيهم عنه بعد ساعاتٍ من نجاح الثورة الإيرانية، لا تزال شَاخِصَةً أمام ناظري كل مُتعظٍ حصيفٍ. 

من حقنا أن نغتبط باتصالات وزيارات الوزراء والمسؤولين الغربيين لبلادنا، من أمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وغيرها، ومن حقنا الانتشاء بتصريحاتهم ووعُودهم بالدعم ورفع العُقُوبات ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهي قائمة سياسية بحتة وإحدى آليات إخضاع الدول ذات القرار المُستقل ودفعها نحو “تراكات” خدمة استراتيجياتهم ومصالحهم الاستراتيجية! من حقنا أن نفرح وننتشي لكن في المُقابل يتوجّب علينا ألا نكون سُذّجاً ومُغفلين، نُصدِّقُ وعودهم ونتوهّم أنّ مواقفهم تغيّرت مع التغيير!

تأمّل عزيزي القارئ، تعامُل واشنطن مع إيران وأذرعها وتصرُّفاتهم في المنطقة! هل يُصدِّق عاقل أنّ هُناك عداءً حقيقيّاً بين واشنطن وطهران، وأنّ هُناك حرباً شاملة ستندلع بين واشنطن وطهران؟! الحرب ستحدث لكن فقط في الإعلام وفي عُقُولنا، حتى ننساق بلا وعيٍ وراء ظواهر الأشياء! ما يحدث من مُناوشاتٍ وضرب ناقلات وما يُنفخ من تهديدات ليس أكثر من “كونفلاش” يُخفي الحقيقة ويُهيئ المسرح لمزيدٍ من الضغط والفك والتركيب والابتزاز! وهي سياسة مُعاشة بلادنا ليست بمنأى عنها إذا لم تُحسن التّخطيط والترتيب وإدارة الملفات والتّعامُل بوعيٍ وانتباهٍ مع الأصلاء والوكلاء.

المملكة العربية السعودية الشقيقة تتعرّض لضرباتٍ صاروخيةٍ حوثية مُؤثِّرة، آخرها في أرامكو، واشنطن تعلم كل التفاصيل! وفي إمكانها فعل الكثير ميدانياً وسياسياً، لكنها تتلكّأ وتتفرّج وتطلق التصريحات الممجوجة حمّالة الأوجه، تنظر بعينٍ حمراء لإيران والتي تُقابلها بتحميرٍ مُماثلٍ! والحال في حاله! كُلٌّ يُصرِّح بما يرضي شعبه ويُبيِّض وجهه، لكن فعلياً الضوء أخضر شديد الإخضرار أمام القصف والقتل والتّرويع! خاصّةً بعد الحملة القوية الغبية التي نُفِّذت قبل سنواتٍ ضد تيار الإصلاح في اليمن وإخلاء الساحة للحوثيين!

أحد المسؤولين الأمريكان صرّح بأنّ رفع اسم السودان من قائمة الدولة الراعية للإرهاب يحتاج لثلاث أو أربع سنوات! وسواء كان التصريح صحيحاً أو غير ذلك، فإنّه – في تقديرنا – لا يُعبِّر إلا عن الحقيقة التي تَتّسِق مع تفكير واشنطن ومنهج تعامُلها مع أمثالنا من الدول! نسأل الله تعالى أن يكون ظنّنا خاطئاً ويحدث العكس ويُرفع اسم بلادنا من تلك القائمة القميئة المُسيئة، وتُرفع عنها العقوبات الاقتصادية اللئيمة، وتُعفى ديونها، وتُعان على الانطلاق إلى مصافي الدولة الناهضة والمُتطوِّرة، والله على ما يشاء قدير.

خارج الإطار: القارئ الطاهر يسن “القضارف” قال إنّ الثورة بدأت بمرارات ودماء وانتهت بانتصار وفرحة، أملاً في دولة العدل والتنمية والرخاء بمُشاركة الجميع و”ربّنا يدّينا خير الشيوعيين لو فيهم خير”. القارئ عبد الملك طه حنان قال إنّه ضد إقصاء أيّة جماعة أو فئة، بل العمل بِتماسُك ورُوح إيجابية لعُبُور المرحلة الانتقالية بسلامٍ وعملٍ إيجابي على الصعيد الاقتصادي والخدمات.

الرقم 0912392489 مُخَصّصٌ للرسائل فقط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى