إلى متى يرقص البرهان على رؤوس هذه الأفاعي كلها؟!

إلى متى يرقص البرهان على رؤوس هذه الأفاعي كلها؟!

الجميل الفاضل

في جحر أضيق من خرم إبرة، لا زال يرقص عبد الفتاح البرهان، هذا الجنرال المغامر، على رؤوس ثعابين تفح ولا تهدأ.

لم أرَ جنرالًا حشر نفسه في مأزق كهذا، إذ كلما استدار يمنة تلوى بوجهه ثعبان عربيد، أو تطلع يساراً رأى شوكة عقرب نافرة، أو نظر إلى أعلاه وجد مخلب نسر جارح، أو إلى أدناه حيث “الحية الرقطاء” التي منحها قبلة الحياة بانقلابه في أكتوبر 2021.

بيان الشعب والقيادة:

لكن اليوم، مع اشتعال الحرب الإسرائيلية الإيرانية، وبعد بيان علي كرتي الذي زعم فيه تمثيل السودان بأسره، “شعباً وقيادة”، ونظرات إسرائيل الباردة التي تُعيد اليوم تقويم علاقتها بهذا الجنرال، يضيق الجحر أكثر فأكثر، يكاد يُطبق على صدر الرجل، بينما دب (موسكو)، ونسر (واشنطن)، وتنين (بكين).. يفتح ثلاثتهم أعينهم التي لا تنام، يراقبون بحذر مسرح هذا الجحر الذي يعج بكافة أنواع الهوام.

رقصة ولاء لطهران:

المهم فعلى حين غرة، اندلعت حرب بين إسرائيل وإيران لتُشعل جحر البرهان بعاصفة نيران حارقة.

إيران، الثعبان العربيد، الذي كان يزود الجيش بمسيّرات (مهاجر-6)، وبتدريب عناصره عليها وعلى سواها بوادي سيدنا، ها هي تجبر البرهان على رقصة ولاء يُعبّر عنها بيان أصدره علي كرتي.

فيما إسرائيل، النسر الجارح، بدأت تُعيد النظر في تحالفها مع البرهان بسبب تقاربه مع طهران وفق صحيفة “جيروزاليم بوست”.

مصالح الثعبان الشمالي:

مصر، الثعبان الشمالي، تدعم الجيش لمصالحها الخاصة، التي لا تخفي.

تركيا وقطر، ثعبانان ماكران آخران، يدعمان الحركة الإسلامية من طرف خفي.

السعودية والإمارات، تتقاطعان لكنهما في ذات الوقت تحذران فحيح الإخوان وطهران.

ومن بعيد، موسكو، الدب القطبي، وواشنطن، النسر الأصلع، يزمجران، بينما الصين، التنين ذو العيون الصغيرة، يراقب كل شيء عن كثب.

رهين القفص الزجاجي:

الحية الرقطاء، الحركة الإسلامية، “تبرطع” في قلب هذا الجحر الضيق، تلاطم الكل بلا هوادة.

بيان كرتي الداعي إلى “جبهة إسلامية عالمية” لدعم إيران، وضع البرهان في قفص زجاجي: إما يؤيده، فيُغضب إسرائيل، مصر، الخليج، وواشنطن، أو يرفضه، فيُثير الاخوان في الداخل، وإيران، تركيا، وقطر.

صمت البرهان، كما وثقت صحيفة “تايمز أوف اسرائيل”، محاولة يائسة لتجنب اللسعة القاتلة، لكنه صمت زاد أيضاً من ضيق هذا الجحر.

إستعادة العرش المفقود:

الحركة الإسلامية، التي تُسيطر على بورتسودان وتتحكم بالجيش، حية جائعة تطمع في استعادة عرشها المفقود عبر كتائبها الجهادية وعناصرها داخل القوات المسلحة.

هي تُحكم قبضتها، مُجبرة البرهان على رقصة تبدو الآن أكثر خطورة.

إسرائيل: مخلب النسر يُهدد الراقص على سقف الجحر، فنسر إسرائيل يتربص كذلك، ومخالبه جاهزة.

المعلوم هو، أن تل أبيب، كانت حليفًا للبرهان عبر لقاء عنتيبي في العام (2020)، غير ان تقاربه مع إيران، بتسع رحلات أسلحة منذ ديسمبر 2023 وإلي يوليو 2024، وفق وكالة “بلومبيرغ”، وصمته المحير على بيان كرتي، أثارا غضب اسرائيل.

لعبة المفاضلة؟:

بل أشارت “جروزاليم بوست” الصحيفة المقربة من الدوائر الحكومية بتل أبيب إلي أن اسرائيل باتت بالفعل تفضل الآن حميدتي على البرهان.

مشيرة إلى أن إسرائيل قد تُصعد هجماتها على أهداف إيرانية في السودان، أو تُنسق مع حلفائها لدعم قوات الدعم السريع مُحولة البرهان إلى راقص وحيد في حلبة بورتسودان.

موسكو، واشنطن، الصين، الخليج، مصر، تركيا، قطر: الكل الآن يتربص بالكل، هنا يزمجر دب موسكو القطبي، يحلق نسر واشنطن الأصلع، يبحلق تنين الصين بعيونه الصغيرة.

تقول بلومبرغ أن موسكو لا زالت تُسلّح السودان عبر بورتسودان وتدعمه كذا إيران.

في حين أن اشنطن ظل يقلقها هذا التقارب بين البرهان وموسكو وطهران.

في وقت لا زالت الصين تستثمر فيه 140 مليون دولار في بورتسودان وتتفاوض لتطوير مصفاة نفط، لكنها تراقب بعيون مفتوحة هي كذلك درجة حرارة هذا الجحر الملتهب.

حارس الحديقة الخلفية:

ثم هذا الثعبان الشمالي الأرقط، مصر، هو أيضا يدعم الجيش حارس حديقته الخلفية خوفا من أي تغيير يقلب المعادلة القائمة على مصالحه بالأساس، رأسا على عقب.

السعودية والإمارات، تتفقان علي التحذير من الإخوان وكذلك من إيران.

تركيا وقطر، ثعبانان ماكران آخران، يدعمان الحركة الإسلامية من طرف خفي.

عقارب على جثة وطن:

وعلى يسار الجحر، عقارب داخلية من كل شكل ولون تتعارك حول جثة وطن لا بواكي له.

على أية حال، فإن صمت هذا الرجل على بيان كرتي الأخير، يعبر عن مأزق حقيقي لمراقص الثعابين في هذا الجحر الساخن المظلم الذي هو في النهاية بلا مخرج.

فضلا عن أن حرارة الحرب الإسرائيلية الإيرانية، التي تسربت إليه قد زادته جحيماً على ما هو عليه.

الرقصة الأخيرة:

إذ أن بيان كرتي الخطير قد جعل الحركة الإسلامية تُعلن ما يشبه السيطرة التامة على مقاليد الأمور بالبلاد.

هذه السيطرة التي تُهدد اسرائيل بخسارة نهائية لحليف كانت تعول عليه كثيراً.

لكن يبقي سؤال، هل يستطيع البرهان نفسه مواصلة الرقص على رؤوس كل هذه الأفاعي متباينة الألوان؟.

وهل سيخرج من بينها حياً، أم ستصبح هي رقصته الأخيرة على لحن جنائزي يكتب له فصل ختام؟.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى