الاشتباه في تورط الطيران المصري في هجمات كيميائية بالسودان:

ما مدى جدية الاتهامات وتداعيات التحقيق الدولي المحتمل؟

الاشتباه في تورط الطيران المصري في هجمات كيميائية بالسودان: ما مدى جدية الاتهامات وتداعيات التحقيق الدولي المحتمل؟

عمار سعيد

منذ اندلاع الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، تزايدت الاتهامات المتبادلة بين الطرفين، وامتدت لتشمل أطرافاً إقليمية. ومن بين أبرز الاتهامات التي طفت على السطح مؤخراً، اتهام قوات الدعم السريع لمصر بالمشاركة في العمليات العسكرية إلى جانب الجيش السوداني، وخصوصاً في تنفيذ هجمات جوية “غير تقليدية” يُشتبه في استخدام أسلحة كيميائية فيها.

السياق الميداني للهجمات محل الجدل

تدور الشكوك حول هجمات جوية محدودة نفذت في مناطق مثل جبل موية وشمال الخرطوم، حيث تقول مصادر في الدعم السريع إن الطيران الذي نفّذ الضربات لم يكن سودانياً، بل حمل بصمات عملياتية وتقنية تشبه تلك التي يستخدمها سلاح الجو المصري. وتدعي تلك المصادر أن البراميل التي أُلقيت في بعض هذه الضربات احتوت على مواد سامة لها آثار تشبه أعراض الأسلحة الكيميائية، مثل ضيق التنفس والتقرحات الجلدية ومظاهر اختناق وسط المدنيين.

وتأتي هذه الادعاءات بعد تصريحات أدلى بها قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” في وقت سابق من الحرب، حيث أكد أن “مصر متورطة في دعم الجيش السوداني لوجستيًا وعسكريًا، وأن هنالك طيارين غير سودانيين شاركوا في عمليات القصف الجوي، خصوصًا في بدايات المعارك حول القيادة العامة ومطار مروي.”

ما مدى مصداقية الاتهامات؟

حتى الآن، لم تصدر تأكيدات مستقلة من منظمات حقوق الإنسان أو جهات رقابية دولية بشأن استخدام أسلحة كيميائية في الحرب السودانية. لكن نشر الإدارة الأمريكية مؤخراً لتقارير تفيد بوجود “مؤشرات أولية” على استخدام مواد كيميائية في بعض الهجمات الجوية، أعاد النقاش إلى الواجهة، وفتح باب التكهنات حول الجهات التي قد تكون وفرت الدعم الفني أو العسكري لتنفيذ مثل هذه العمليات.

إذا ثبتت هذه المزاعم، فإنها تمثل خرقاً خطيراً للقانون الدولي الإنساني واتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، وقد تؤدي إلى فتح تحقيقات دولية تطال ليس فقط قيادات الجيش السوداني، بل أيضاً أطرافاً إقليمية يُشتبه في دعمها.

هل يمكن أن تطال التحقيقات الجيش المصري؟

في حال فتح تحقيق دولي مستقل بإشراف الأمم المتحدة أو المحكمة الجنائية الدولية، فإن نطاق التحقيقات قد يمتد إلى تتبع مصادر السلاح والطائرات، ومواقع الإقلاع، وتحليل بقايا الذخائر والمواد السامة التي تم استخدامها. وإذا ما ثبت أن الطائرات المستخدمة مصرية أو أن طيارين مصريين شاركوا في العمليات، فإن ذلك سيضع المؤسسة العسكرية المصرية تحت دائرة الضوء.

وبحسب مراقبين، فإن “مصر تنظر إلى الحرب في السودان من زاوية الأمن القومي، ولا ترغب في انتصار الدعم السريع الذي تعتبره تهديداً للحدود الشرقية.” ومع ذلك، فإن أي دور مباشر في استخدام أسلحة محرمة دولياً قد يؤدي إلى عزلة دبلوماسية وإجراءات قانونية دولية تطال أفراداً في القيادة العسكرية أو حتى جهات استخباراتية يُزعم بأنها قدمت المشورة أو التخطيط للهجمات.

أبعاد سياسية وقانونية محتملة

إذا ما قرر مجلس الأمن الدولي أو إحدى المحاكم الدولية فتح تحقيق في هذه المزاعم، فإن السودان ومصر سيواجهان ضغطاً متزايداً للتعاون، وهو أمر قد لا يكون سهلاً في ظل الوضع السياسي المعقد بالمنطقة. كما أن أي نتائج قد تخرج من التحقيقات، ستؤثر على صورة مصر الدولية، خاصة في ظل محاولاتها الدائمة تقديم نفسها كوسيط محايد في الصراعات الإفريقية.

خاتمة

بين الاتهامات المتبادلة وتكتم الجهات الرسمية، يبقى استخدام الأسلحة الكيميائية خطاً أحمر في القانون الدولي. وإذا ما ثبت تورط أي جهة، سواء كانت داخلية أو إقليمية، فإن التداعيات ستكون واسعة وخطيرة. ومهما كانت الاصطفافات السياسية، فإن المدنيين هم الخاسر الأكبر في هذه الحرب، التي تتجاوز في مآسيها كل الأعراف والحدود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى