المالية.. تحدّيات أمام مركز الثقل الاقتصادي

الخرطوم: جمعة عبد الله

سوف يرث وزير المالية  الجديد تركة ثقيلة لا سبيل لتخفيف حملها بغير الإصلاح الجذري، حيث تمثل وزارة المالية مركز الثقل في تشكيلة حمدوك، وسيكون أمام الوزير الجديد مواجهة واقع صعب يتمثل في تراجع المالية العامة للدولة وتراجع الإنتاج المحلي في كافة القطاعات الاقتصادية مع عجز بائن في الميزان التجاري بما يفوق الـ 6 مليارات دولار.

تحديات 

وتزايدت فرص الخبير بالمؤسسات المالية العالمية د. إبراهيم البدوي في شغل منصب وزارة المالية، وتبدو كفته هي الارجح لوجود إجماع عليه بعد اعتذار مرشح الحرية والتغيير الأولى د. ىدم بريمة الحريكة عن الترشيح وتفضيله ترك الفرصة للبدوي، ويعتبر الحريكة أحد الكفاءات السودانية في اللجنة الاقتصادية التابعة للأمم المتحدة في أفريقيا وهي ذات المؤسسة التي جاء منها رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك، حيث كانا يعملان بها سوياً.

وطوال السنوات الماضية، عانى المواطنون من صعوبات بالغة في توفير متطلبات العيش الكريم، وتضاعفت المعاناة في العقد الأخير الذي شهد فقد 70 بالمائة من النفط و90 بالمائة من موارد النقد الأجنبي، وتتزايد الأزمة مع كر مسبحة السنين حتى بلغت ذورتها في العامين الأخيرين، وسيكون أمام الوزير الجديد السعي بجد لضمان “محاربة الفساد ولجم المفسدين” والإصلاح الشامل.

مؤشرات 

ومن أهم المؤشرات الإيجابية التي تدعم مرشح وزارة المالية هي تمتعه بعلاقات دولية واسعة مع العديد من المؤسسات الاقتصادية بحكم عمله السابق بالبنك الدولي وإدراكه لمشكلات الاقتصادات الضعيفة والهشة وكيفية معالجتها، علاوة على أن تعيين البدوي في حكومة مدنية تحظى بالاعتراف الدولي يعد سانحة إيجابية لتعزيز علاقات وتعاملات السودان الاقتصادية مما يفتح الباب واسعاً أمام المساعدات والقروض والمنح الأجنبية، وقبل ذلك ستكون سياساته الجديدة محل نظر من الاستثمارات المتحفزة لدخول أسواق جديدة مثل السودان.

أما أبرز التحديات فتتمثل في إصلاح التشوهات التي لازمت اقتصاد البلاد طوال السنوات الماضية ومعالجة السياسات الخاطئة التي تسببت في إدخال البلاد لنفق مظلم.. وبالعودة قليلاً للوراء للعامين الأخيرين فقط، أصدرت الحكومة السابقة قرارات وصفها خبراء الاقتصاد بأنها خاطئة وكارثية ونصحوا بعدم تطبيقها دون جدوى، وتمثلت هذه القرارات في رفع دعم الخبز وتحريك الدولار الجمركي بزيادة 3 أضعاف وإخراج آلية صناع السوق السوق للعلن ورفعها للسعر الرسمي للدولار من 29 جنيهاً إلى 45 جنيهاً مما أفقد العملة المحلية 66% من قيمتها بين يوم وليلة، وهي مشكلات أدت بدورها لتبعات كارثية تمثلت في ارتفاع التضخم لمستويات قياسية وارتفاع المستوى العام للأسعار لحد عجز فيه غالبية المواطنين من تأمين احتياجات الحياتية.

صلاحيات أوسع

ورغم شغل وزارة المالية من قبل عدد من الاقتصاديين خلال السنوات الماضية، إلا إن مردودهم جميعها كانت محصلته الفشل بسبب العشوائية التي كان يدار بها الاقتصاد علاوة على عدم استقلال الوزارة من تدخلات النافذين والسياسيين، كما كان التنسيق بين السياستين المالية والنقدية في أضعف حالاته مما انعكس سلباً على وزارة المالية والبنك المركزي على حد سواء، وهو وضع من المؤمل تغييره في الحكومة الجديدة بمراعاة اختصاصات كل جهة واستغلال منصب الوزير من التدخلات.

معالجة الاقتصاد أولاً

منطقياً.. تدرك حكومة حمدوك الجديدة أهمية وتعقيد التحديات الاقتصادية، ذلك لأنها شكلت عصب الحراك الجماهيري الذي كلل بالتغيير، وكانت المطالب الاقتصادية والمعيشية هي السبب الرئيس في بروز وتنامي الأصوات الاحتجاجية، كما كان الاقتصاد هو المتأثر الأكبر بالإخفاقات التي حدثت طوال الفترة الماضية، ووصل الأزمة لحدود عجزت فيها الحكومة عن معالجة قضايا شح السيولة التي ما تزال مستمرة، علاوة على تصاعد أسعار الصرف وما نتج عنه من تراجع احتياطي البنك المركزي من النقد الأجنبي اللازم للاستيراد.

استغلال الموارد

ويرى الخبير الاقتصادي د. عبد العظيم المهل وجود إمكانية تجاوز المأزق الاقتصادي الحالي بالاستغلال الأمثل للمتاح من موارد وفي حال توظيفه بالصورة المثلى سيساعد في تجاوز المصاعب الاقتصادية الراهنة خاصة في القطاع الزراعي وصادرات الذهب والثروة الحيوانية، وقال إن التدابير والخطط التي ستنتهجها وزارة المالية في عهدها الجديد هي التي سيتحدد إمكانية الخروج من النفق المظلم من عدمه، لافتاً إلى أن الإجراءات الإصلاحية واتباع سياسة تقشفية مقرونة مع تقليص طواقم المسؤولين وخفض الإنفاق الحكومي سيوفر للحكومة موارد طائلة كان يتم صرفها في السابق على جيوش من المسؤولين.

تفاؤل في الشارع العام

وفي الشارع العام تزايدت التفاؤلات بأن تشهد العهد الجديد إصلاحات اقتصادية حقيقية تنتشل البلاد من واقعها الحالي لواقع أفضل، وقال المواطن هلالي محمود، أن اللحظة المناسبة لوقف معاناة المواطن السوداني “قد حانت”، مشيراً إلى أن تطلعات المواطنين بتحسين الوضع الاقتصادي لا تحدها حدود، رغم إدراكه لحجم المصاعب التي تحيط بالبلاد، لا وقال إن بلاده “ليست دولة فقيرة”، ولا تنقصها الموارد، بقدر ما تفتقر للإدارة السليمة لهذه الموارد كما تغيب عنها السياسات الداعمة والمحفزة للإنتاج، وقال محمود لـ “الصيحة” إن أهم مطلوبات تحسين الاقتصاد تتمثل في “معالجات جذرية” تلامس المشكلات التي أدت للوضع الحالي، موضحاً أن كل المعالجات السابقة لم تكن تتجاوز كونها “مسكنات” لا تخاطب جذور المشكلات وبالتالي لم يؤد لنتيجة إيجابية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى