رهاننا على مطالب الثورة، ورهانهم على القتل والإبادة

رهاننا على مطالب الثورة، ورهانهم على القتل والإبادة

سارة مالك السعيد

خلال ستة سنوات استثنائية من تاريخ السودان عشنا وعاش العالم معنا سلسلة من الأحداث والتطورات المترابطة والمتراكبة، أحداث فاجأت البعض وفاقت توقعات آخرين، ورغم أن الثورة السودانية انطلقت في إطار الربيع العربي، إلا أنها جاءت أيضاً كحدث مفاجئ لم يجرؤ كثيرون على توقعه، نظراً لما يعرفونه عن نظام الإخوان المسلمين وقدرته على الإجرام والتوحش.

أي محاولة حيادية لسبر وقائع الستة سنوات لن نتمكن من خلالها تجنب الحديث عن قمع نظام الحركة الإسلامية وعن وحشيته وعن تحالفاته المشبوهة وعن داعميه، لن يمكننا أن تتجاوز الخسائر البشرية الهائلة، آلاف الشهداء والضحايا، الجرحى والمعوقين، وعشرات آلاف المعتقلين، لن تغيب عنّا صور القصف الجوي والبراميل المتفجرة والدمار الرهيب للمدن والبلدات والقرى، ولا مشاهد الجثث والدمار ولا قصص اللاجئين والمهجرين المؤلمة ولا الجروح العميقة والصدمات النفسية التي طالت النسيج الاجتماعي.

إن قراءة وفهم الوقائع والمعطيات من مختلف الأوجه تمثل ضرورة لا بديل عنها لتعزيز قدرة السودانيين على المساهمة في التحكم بالمسار وبالنتائج، لذلك لا بد أيضاً من دراسة الجوانب التي أخفقنا فيها ايام الثورة.

علينا ان نأخذ في عين الاعتبار أننا لا يمكن أن نعيد الكرة ونبدأ من الصفر في كل مرة، بل أن نتابع ونستمر في البناء فوق ما تم إنجازه، ونتجاوز الأخطاء بقدر المستطاع، وأن نقوم بتقويم أدائنا والمبادرة إلى التعامل مع المشكلات من خلال إحساس كل شخص بمسؤوليته وبدوره لكن إدراك ومراجعة دورنا ومسؤولياتنا لا يمنعنا من توضيح مسؤوليات النخب السياسية ودورهم المحوري في وصول الأمور إلى ما وصلت إليه، كثير من الثوار ضحوا بأنفسهم وبذلوا كل ما في استطاعتهم لتوثيق انتهاكات النظام وجرائمه وقمعه ووحشيته من أجل إيصالها إلى العالم، متصورين أن مجرد وصول تلك الصور والمقاطع سيحرك العالم وسيجبر المجتمع الدولي على التدخل لإنقاذ المدنيين ودعم حقوق الشعب السوداني لكن الأمور لم تسر على ذلك النحو، ولا يزال المجتمع الدولي حتى اليوم يعاني من الشلل وعدم الجدية في مواجهة الواقع الذي جره نظام الإخوان المسلمين علي الشعب السوداني والمنطقة بل والعالم اجمع ولا يدركون حقيقة المخاطر التي ستترتب على عدم دعم العملية السياسية بالطريقة الصحيحة أو ترك الحركة الإسلامية وداعميها يتحكمون في إيقاعها وتشتيت مساراتها والاستمرار في أخذ طرق التفافية حولها ففي الوقت الذي توجهت فيه قوى الثورة والمعارضة وآمنت بإمكانية إنجاح حل سياسي حقيقي، انهمك الإسلاميين وحلفاؤهم في إجهاض الحل السياسي، وتجاوز الاستحقاقات القانونية والدولية والسياسية المتعلقة بالحل العادل في السودان لقد ضربت الحركة الإسلامية عرض الحائط بجميع قرارات مجلس الأمن وكل المبادرات الدولية، ولم يلتزم بأي وقف للعمليات العسكرية، واستجلب ميليشيات أجنبية طائفية ومرتزقة من دول الجوار ليرتكبوا المجازر والجرائم بمنتهى الوحشية.

يدرك السودانيون أن المجتمع الدولي مسؤول بشكل أو بآخر عما وصلت إليه الأوضاع في بلدهم، لم تكن الحركة الإسلامية لتتجاوز كل الخطوط الحمراء الواحد تلو الآخر، لو لا إدراكها بأن فشل المجتمع الدولي في صون الخط الأحمر الأول لن يكون الأخير وأن قتل المعتصمين بالرصاص أمام مبني القيادة العامة لن  يختلف عن قتلهم بالبراميل الحارقة ولا تحت سياط التعذيب ولا بالأسلحة الكيميائية حرب الإبادة الجماعية والاعتداءات الهمجية على اقليم دارفور وكردفان والنيل الأزرق وجبال النوبة ما كانت لتقع لو لا المواقف الدولية الهزيلة ولولا سكوت الدول «الراعية» للحل السياسي.

العنصر الرئيسي في خطة الإسلاميين استند إلى مجتمع دولي متردد هذا الواقع، هو ما يدفعنا إلى القول بأن الخلل في مسار العملية السياسية يقوم على عنصرين رئيسيين: الأول هو رفض الإسلاميين الدخول في عملية تفاوضية حقيقة، والثاني هو فشل المجتمع الدولي في فرض الحل السياسي. وإذا كان رفض النظام أمراً متوقعاً ويصعب تعديله من دون الضغط الدولي، فإن فشل المجتمع الدولي أمر قابل للتغيير ومن الممكن في حال النجاح في التأثير عليه أن يتم من خلاله فرض ضغوط حقيقية على نظام الحركة الإسلامية لتلجمه وتجبره على الرضوخ وإذا سلمنا أن التدخلات الدولية باتت أمراً واقعاً على الساحة الدولية المعاصرة، فإن النتائج التي ستترتب على أي محاولة لإعادة فرض النظام أو ترك جرائمه دون عقاب ستكون شديدة الخطورة، فهي ستكرس حالة الظلم وستفتح الباب أمام عالم يمارس فيه مجرمو الحرب جرائمهم دون خوف من أي عواقب.

يجب علينا أن نستمر في تحذير المجتمع الدولي من عواقبه وتأثيره على مصالحه وينطلق منه نحو الحل السياسي النهائي في السودان. خيار الشعب السوداني هو الحرية السلام والعدالة، ثورتهم مستمرة ورهانهم يقوم على الالتزام بمبادئهم وتطلعاتهم مقابل رهان الطرف الآخر على الإجرام والخيانة والقتل والتعذيب والتهجير والإبادة بالأسلحة الكيميائية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى