انحياز الحركات المسلحة….هل من مبرر أخلاقي للتطوع بالمشاركة

في معركة استعادة حكم الحركة الإسلامية بعد سقوطه!

انحياز الحركات المسلحة….هل من مبرر أخلاقي للتطوع بالمشاركة في معركة استعادة حكم الحركة الإسلامية بعد سقوطه!

بقلم/ محمد دهب تلبو

أعلنت بعض من الحركات المسلحة وقوتها المشتركة في مدينة الفاشر الدخول في الحرب لصالح الجيش، بعد مرور عام على التزامها الحياد، معللة قرارها بوجود انتهاكات من قبل الدعم السريع في الاقليم، مما دعاهم إلى مساندة الجيش في القتال، بلا شك هم مخيرون في اتخاذ اي قرار يتعلق بتوجهاتهم طالما هم من يتحملون تبعات قرارتهم امام التاريخ، ولكن الواقع يقول مهما كانت مثالية المتحاربين فإنه لا وجود لحرب دون انتهاك، فالحروب التي قامت بها جيوش حلف الناتو -كقمة في الوعي بحقوق الإنسان اثناء الاشتباك- في الجهات المختلفة صاحبتها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تجاه المدنيين على يد جنود الجيش الامريكي والفرنسي سادة الحضارة الانية ، وذلك لأن الحرب في حد ذاتها انتهاك لحق العيش الامن والسلامة الشخصية للإنسان وبالتالي يستسهل المقاتلون امر انتهاك حقوق الآخرين من العزل، كما ان حرب الكفاح الاولى في دارفور 2003 التي خاضتها الحركات المسلحة بإنضباط ثوري حريص حدثت فيها انتهاكات جسيمة من جانب جنود الحركات المسلحة وثقتها المنظمات الأممية ووصلت للمحكمة الجنائية الدولية في مناطق “لبدو وام سعونة وجبال الميدوب ومناطق اخرى” وكانت ضد مدنيين عزل بواسطة مقاتلين وقادة من الحركات المسلحة تماماً مثل ابادة القرى في وادي صالح بالطيران واستباحتها من قبل الجنجويد بقيادة البرهان وقتها الذي صرح بأنه “رب الفور” وما دري أن رب الفور في السماء اصطفى هذه الامة لتحكم بين الناس بالعدل لعقود في سهول ووديان دارفور ولم يدع اي من سلاطين “الكيرا” من لدن سولون والى دينار انه رب لشعب من شعوبه، وشتان بين حلم السادة وطيش والسفهاء.
كما تم استهداف المواطنين على اساس عرقي بواسطة حركة تحرير السودان مني مناوي والعدل والمساواة جبريل في قرى جبل مون وكلبس بغرب دارفور وبلدات مهاجرية وام قونة وقوز ابقراجل ووادي برودو جنوبي مدينة نيالا أفي الفترة 2005-2016

اذاً فلننظر للحرب هذه من انها “حرب” وبالتالي فهي غير مبررة وانتهاكاتها مدانة بلا أدنى استثناء بغض النظر عن فاعلها طالما انها تستهدف المدنيين العزل وفي هذه الحرب وفي دارفور بالذات انتهاكات الجيش لاتقارن بانتهاكات الدعم السريع -الذي يسيطر على 98% من جغرافيا الاقليم- فالجيش عبر اصراره على منع دخول المنظمات -إلا في مناطق سيطرته- يفرض حصاراً على النازحين في ابوشوك وكلمة والحميدية والنيم والمخيمات الكبرى الاخرى في الاقليم بمنع دخول الإغاثة والدواء كما انه يقصف المواطنين عشوائيا بالطيران في مدن مكدسة بالجوعى ويستهدف المواطنين العزل على اسس عرقية بواسطة خلاياه في الحركات المسلحة كما حدث في حادثة قتل الاسرة بطريق نيالا الضعين .
ولكن فلنتحدث عن فك الحياد للحركات المسلحة ولنتساءل قبل كل شيء ما هو المبرر الاخلاقي الذي استدعى فك الحياد والانحياز لجانب الجيش بعد سنة من الحرب؟
هل لدى قادة القوة المشتركة انتهاكات حديثة استدعت فك الحياد ام انها فكت حيادها بأثر رجعي؟
وبما انهم بقرارهم هذ قد تركوا مهام حماية المدنيين التي انُشأت من اجلها القوة؛ هل قام قادة الحركات المنحازة بإجراء استفتاء شعبي للمدنيين في دارفور – بدون اي تمييز قبلي- بين الحياد والانحياز للجيش او الدعم السريع واتت رغبة شعوب دارفور بالانحياز للجيش بدلاً من الحياد ؟
هل انحيازهم رغبة ذاتية من هيئة قيادات هذه القوات وعليه فهو قرار سياسي وليس امني او اخلاقي؟
هل تمت مساومتهم وابتزازهم بالوظائف التيّ يشغلونها – اقليم دارفور ووزارة المالية- واذا حدث ذلك هل التضحية تساوي العطية؟.

رغم كل شيء، شخصيا اعرف نساء ورجال في الحركات المسلحة قدموا – ولازالوا- أنموذجاً للنضال المنضبط والاتساق مع المبدأ وهم كثر من بناطم وولاضم تزودنا معهم بالملح والفكر ولم يبدلوا مثل مني مناوي والفلاقنة الجدد في المؤسسات نفسها الذين لا يرون في الأمر اكثر من العطية.
كما أن هذا الانحياز لايمثل اي اصطفاف قبلي او عرقي او جهوي من اي من مكونات الشعوب الدارفورية وعليه فهو لا يمثل المجتمعات وانما قادة وجنود هذه الحركات مما يجعلنا نحذر من استهداف مجتمعاتنا من النازحين واللاجئين والمدنيين والريفيين في اي من العمليات العسكرية الوشيكة في دارفور .

ولنكون واضحين هذه الحرب أشعلها أساطين الدولة المركزية وعلى رأسهم الكيزان بإعترافات موثقة في احتفالات الاستنفار والتجمعات الحزبية لكتائب الكيزان الارهابية وهم بذلك أرادوا قطع الحبل السري لثورة ديسمبر المجيدة لإجهاض عملية التحول المدني الديمقراطي وارجاع السلطة إلى دولة الحزب الواحد والدين الواحد والعرق الواحد ولذلك نحن ضد هذه الحرب وضد استمرارها لأن من يدفع ثمن ذلك ليس الكيزان وربائبهم من سدنة دولة 56 وانما الشعوب السودانية المغلوب على امرها ، ضد الحرب ومع التسوية السياسية التي تبعد الحركة الإسلامية وواجهاتها وتعيد بناء الجيوش العرقية والجهوية في جيش مهني تحت ادارة سياسية مدنية مؤمنة بالتداول السلمي للسلطة وسيادة القانون

وبالرجوع إلى حديث الحرب، فإن الحرب هذه عبثية لأنها تقف عقبة امام ثورة الشعوب السودانية لبناء دولة المواطنة المتساوية وسيادة القانون ولذلك يجب ان تقف ليعبر قطار الثورة، وبالمقارنة حالياً لا يمكننا اعتبار مؤسسة الدعم السريع مؤسسة ثورية منضبطة تقدم أنموذجاً كاملا ً للثورة لأنها غير مبنية على اسس اخلاقية فيما يتعلق بقواعد الاشتباك اولاً، ولكنها مؤسسة ثورية حديثة ويجب ان نعترف ونؤمن بجنود وقادة الدعم السريع -بعد مرور عام على وقوفهم ضد سدنة الدولة المركزية- كثوار جدد تعلموا من تجربتهم بأن الدولة السودانية تتعامل مع قدرات بنيها بعقلية عمال اليومية وبالتالي تمردوا على ان يكونوا عمال يومية تطلقهم سلطة الخرطوم لقهر الشعوب السودانية المطالبة بحقوقها في المواطنة والعدالة والحرية ؛ إذاً هم تائبون عن الفلنقة إلى رحابة التحرر والتوبة لا تجب ما قبلها في كتاب العدالة،
بينما رفاق الحركات المسلحة المنحازة فيمكننا القول بأنهم مرتدون عن طريق الثورة إلى ظلم الارتزاق والميوامة وهم بذلك اصبحوا جنجويد رسميين لدولة 56 يقاتلون ضد مصالحهم، وحقوقهم المدنية كمدنيين ثم السياسية كمنظومات لأن موقفهم المنحاز يصب في مصلحة الحركة الإسلامية التي تريد حكماً منفرداً مقوضاً للدستور والعدالة بين المواطنين كما كان في فترتها الاولى لثلاثين عام، والطريف في امر الانحياز هذا ان المنحازون يتم تخوينهم في اقرب نكبة كما حدث لقوات مني مناوي في هزيمة معركة الفاو الأخيرة.
ايها الجنجويد الرسميون ان اردتم الحرب فتعرفونها تماماً كما يعرفها خصمائكم القدامى والجدد في الدعم السريع والحرب لا منتصر فيها وان انتصر، وليس نضالات الرعيل الاول منكم ببعيدة، ويبدو انكم تريدونها على كل حال وقد شمر لها طرفاها سواعدهم لعام كامل ولم يأتوا على نارها وبالتالي لن يشكل اصطفافكم لاي طرف فارق كبير في المعادلة والأيام خير معلم وخير بيان.
صحوة بنات واولاد الدعم السريع من الريف السوداني وإصرارهم على عدم العودة لداء الفلقنزم، هو مكسب في كل الحالات لانه الحلقة الأخيرة في إنهاء العنف الممنهج للدولة ضد المواطنيين بإعتبار انقلاب السحر على الساحر، وعلى الرغم من فداحة الثمن إلا أنه سينتهي هذا العنف الرسمي للدولة عند طاولات التسوية السياسية عاجلاً ام اجلًا وبمن تبقى، فبعد وعي الفاعل التاريخي في اللعبة وتمرده على دور الوكالة لا يمكن -عملياً -اعادة انتاج الصراع العبثي واستثماره مرة اخرى لإنتاج حروب تقتل السكان وتنهب مغتنياتهم كما يحدث منذ 1955 في توريت
صحوة الدعم السريع ووعيه للدور القذر الذي يُراد له هو مدخل لتوازن ضعف مالكي العنف في الدولة السودانية لإجبارهم على التسوية السياسية عبر هيكلة الجيوش العرقية والمناطقية الثلاثون ( 13 منها تكونت بعد حرب ابريل) في جيش وطني بعقيدة قتالية جديدة والاعتراف بتنوع الشعوب السودانية وأصالتها داخل وطنها كما استعادة العدالة المقوضة بأمر الدولة بين المواطنين والتوافق على نظام فدرالي يصون وحدة اقاليم البلاد وينهض بالدولة.
كما أن انحياز الحركات المسلحة قد يكون له بصمة وقتية في الصراع ولكنه حتماً لن يحل المشكلة ولو ساهم في محو الدعم السريع -كما يفكر ساسة الاخوان المسلمين وفلاقنتهم الجدد في القوة المشتركة المنحازين مؤخراً.
هكذا يجب ان تُفهم هذه الثورة العظيمة -التي انطلقت في ديسمبر المجيد- ودعمها لتتسلح بالقيم الأخلاقية والوعي بحقوق الإنسان واحترام الاخر المختلف، لا دعم استمرار الحرب عبر الاصرار على الحسم العسكري واشاعة العنف.

أما ثوار الأمس من الريفيين في الحركات المسلحة فهم الان فلافتة كاملي الدسم يعملون بالأجرة ضد مصالحهم ومصالح شعوبهم للدرجة التي تجعلهم يتمنون ابادة من تبقى من ضحايا التهجير والإبادة الجماعية في مخيمات النزوح في مدن الاقليم المنكوب وبالتالي من اصطف مع أساطين الدولة المركزية لا يجب ان نحترمه والتاريخ لا يشفع في ميزان العدالة والاخلاق .
حركات الانحياز المسلح انتهازيون اكثر منهم إلى ثوار نفعيون اكثر منهم إلى احرار، وبعضهم عديم الضمير والحس الاخلاقي القويم لا سيما طبقة الهيئات القيادية لذلك ارتضوا لأنفسهم وجنودهم في ان يكونا جدار جديد يتحصن به الاخوان المسلمين في معركتهم الوجودية من اجل سلطة الدين والعرق والارهاب وهم في ذلك كلاب صيد إن هلكوا ” كلب ومات في قنيص” وان انتصروا أولمت الحركة الأسلامية وقططها السمان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى