سراج الدين مصطفى يكتب: على طريقة الرسم بالكلمات 

سراج الدين مصطفى يكتب: على طريقة الرسم بالكلمات

 

نقر الأصابع

سراج الدين مصطفى

على طريقة الرسم بالكلمات

(1)

كما ورد في بعض التعريفات يعتبر النص الغنائي الذي يشكل الطابع الصوتي عنصراً مهماً جداً في الأغنية الموسيقية السودانية، بل هو أحياناُ أكثر أهمية من اللحن الموسيقي نفسه. وهو الذي يلعب دوراً كبيراً في تحديد مدى جماليتها عند المستمع السوداني الذي لديه اهتماماً بالكلمة الجميلة المؤثرة، وقد نال بعض الفنانين مثل عبد الكريم الكابلي ومحمد وردي ومحمد الأمين وأبوعركي البخيت شعبية كبيرة بسبب اختيارهم للنصوص المؤثرة والموسيقى التي تتناسب معه.

(2)

كل واحد من هؤلاء الشعراء المحترفين يتعاون مع فنان معين يعرف حدود قدراته الصوتية وأسلوب أدائه، والكيفية التي يأخذ بها لإثارة معجبيه. ومن هؤلاء الشعراء إسماعيل حسن الذي يتغنى بأشعاره الفنان محمد وردي ومحمد فضل الله ويغني أشعاره الفنان محمد الأمين، وحسين بازرعة ويغني له المطرب عثمان حسين، وشعراء آخرون يتبادل أعمالهم الفنانون المختلفون ومنهم اسحق الحلنقي وأبو آمنة حامد الذي كتب للفنانين الشعر منذ صغره (قصيدة سال من شعرها الذهب.. فتدلى وما انسكب، وتغنى بها الفنان صلاح ابن البادية)، ولكن ليس بالضرورة أن يحصر الفنان نفسه على شاعر واحد معين. فهو أحياناً يقتفي أثر الكلمة وليس الشاعر، ولذلك نجد الفنان عبد الكريم الكابلي يلحن ويضع موسيقى خماسية السلم لقصيدة أراك عصي الدمع – لأبي فراس الحمداني، بينما غنى الفنان حمد الريح قصيدة الصباح الجديد للشاعر التونسي أبو القاسم الشابي.

(3)

وأبوعركي البخيت يغني

ضانة بيك الدنيا مالها .. ما أصلو حال الدنيا حالها

تبعد الناس الحبايب ويشقو بتبريح فعالها ..

كلمات مدهشة وجديدة ومتجاوزة تعبر عن قدرات غير عادية في كاتبها .. وأبوعركي البخيت حينما يغني أي قصيدة .. ذلك يعني بأنها من الجودة والدقة والمعنى المغاير لحال القصائد الغنائية .. أستوقفتني الكلمات وأدهشتني .. ولكن لم أندهش أكثر حينما علمت بأنها كاتبها هو الشاعر الكبير كامل عبدالماجد.. وكاملاً شاعر دسم المفردت الشعرية.. يمتاز بالبساطة والرقة الدافقة في شعره ومجمل كتاباته.. وهو واحد من كتاب الأغنية السودانية وشعرائها الذين نمت لديهم قدرة في صياغة النص الغنائي المؤثر.. شاعرنا الجميل (سيد الاسم) كامل عبد الماجد من مواليد مدينة المناقل بالجزيرة .. تخرج من جامعة الخرطوم كلية الآداب ثم جامعة لندن تخصص في شؤون الإدارة والتنمية عمل مستشاراً في مجال تخصصة بالمملكة العربية السعودية .. صدر له من الدواوين ديوانان {سيد الاسم} وأجراس الغرام.

(4)

كتب صديقي الصحفي النابه محمد إبراهيم مستنكراً وجود ملصق إعلاني لحفل للموسيقار محمد الأمين في ظل هذه الظروف الراهنة التي تعيشها البلاد وما يجب أن يقال إن محمد الأمين وغيره من الفنانين مهمتهم الغناء وليس توفير الخبز أو الدواء أو غيره .. تلك مهمة آخرين .. وإذا كان الأمر بهذا الضيق المفاهيمي فلماذا تكتب يا محمد إبراهيم وشعبك يعاني الفقر والعوذ والضيق في كل مناحي الحياة .. لأن الكتابة تصبح ترف ولا داع لها.

(5)

ومع تقديري ومحبتي لك ولأبوعركي .. فهو ليس مقياس الوطنية أو الثورية وتاريخياً لم يغن للثورات والوطن أكثر من محمد الأمين أبداً من الملحمة .. أكتوبر 21 .. شهر عشرة حبابو عشرة .. مساجينك .. أكتوبر الممهور بالدم .. السودان الوطن الواحد .. وطن واحد .. جمرة أكتوبر .. وغيرها وغيرها .. الصحيح يا صديقي أن يؤدي الكل وظيفته .. المغني والمزارع والمهندس والعامل والطبيب والصحفي وكل المهن .. فكل واحد له مهمته ووظيفته التي يفترض تجويدها حتى تستمر عجلة الحياة بنسق سليم و طريقة التخوين هذي لا تبني أمة.

(6)

وأكرر توفير الدواء مهمة وزارة الصحة وليس محمد الأمين أو غيره من الفنانين .. وتوفير الخبز والمواصلات والوقود لها جهات مسؤولة من المفترض أن تقوم بدورها كاملاً وتحاسب على التقصير .. والثورة لم تأت حتى يتوقف الفنانين عن الغناء ولم تكن ثورة ضد الغناء وإنما كانت ثورة ضد منظومة فاسدة أفقرت البلاد والعباد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى