لتحقيق حلمها القديم.. إسرائيل تسرع الخطى للتطبيع مع السودان قبل أن..!!!

لتحقيق حلمها القديم.. إسرائيل تسرع الخطى للتطبيع مع السودان قبل أن..!!!

تقرير- مريم أبَّشر

تسارع تل أبيب الخطى باتجاه إنجاز مشروعها الأكبر والمكمل لما بدأته خلال العامين الآخرين لحكومة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب  والمسمى بمشروع اتفاق (إبراهام) عبر تتويج  الاتفاق المبدئي الذي وقع إبان حكومة الفترة الانتقالية في العام ٢٠٢٠ مع الخرطوم، حيث حمل تصريح صحفي منسوب لوزير خارجية إسرائيل إيلي كوهين، أن اتفاق السلام مع السودان يمثل الخطوة الحاسمة في تطوير التحالف المناهض لإيران، وأن وزارته مكرّسة  لهذه المهمة، وأشار كوهين إلى أن السلام مع السودان بات يلوح في الأفق وسيتحقق في المستقبل القريب.

وطبقاً لكوهين في حديث له خلال مؤتمر رؤساء المنظمات المالية اليهودية الكبرى: “نعمل عن كثب مع أصدقائنا الأمريكيين لتوقيع اتفاق مع السودان خلال العام الجاري”، مؤكداً أن التطبيع مع الخرطوم يعد مهماً دبلوماسياً، وأشار إلى أن اتفاقات إبراهام زادت الاستقرار في المنطقة خلال العام  الجاري،  كما ساعدت في تمتين التحالف ضد إيران، كون الأخيرة دأبت على استخدام  السودان كنقطة انطلاق  لشحنات الأسلحة لجماعات وصفها بالإرهابية في الضفة الغربية.

وتأتي تصريحات كوهين متماشية مع ما يثأر حول تسريع الحكومة الإسرائيلية خطاها لإكمال الخطوة الأخيرة في تطبيعها مع السودان كهدف استراتيجي تسعى لتحقيقه خلال هذه الفترة الفارقة في تاريخ السودان الحديث، وقد تسارعت خطاها مؤخرا حتي تستبق على ما يبدو تكوين مؤسسات السلطة المدنية المنتظرة،  بالنظر الى إن قرار مؤسسات الحكم قبل انقلاب 25 اكتوبر 2021 كان قد أرجأ موضوع التطبيع مع اسرئيل الي تشكيل المجلس التشريعي (البرلمان).

خلافات وتدخلات   

من المعروف أن السودان يمر -حالياً- بأصعب الفترات في تاريخه المعاصر منذ استقلاله قبل أكثر من ستة عقود، ويشير مراقبون إلى أن حالة السيولة الأمنية و السياسية التي تزايدت حدتها بفعل الضائقة الاقتصادية وسوء الأوضاع في كل المناحي جاءت انعكاساً طبيعياً للخلافات السياسية والتباين في المواقف بين القوى العسكرية والقوى المدنية وحالة الانشقاق التي ضربت مفاصل مكوِّنات الحكومة السابقة بشقيها العسكري والمدني،  وانتهت بانقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر، من العام قبل الماضي.

ويرى المراقبون أن  تجذُّر الخلافات وتشتت الرؤية بين القوى المختلفة أسهم بشكل مباشر في اتساع دائرة تحرُّك المحاور والتدخلات الإقليمية والدولية تحت مظلة الإسهام في تقريب شقة الخلاف وجمع الفرقاء السياسيين في السودان من أجل إكمال الفترة الانتقالية، وأشاروا إلى أن بعض التدخلات الإقليمية والدولية أن لم يكن جلها تهدف لتحقيق مصالحها في السودان وأن إسرائيل لن تكون استثناءً.

وقال خبير دبلوماسي، فضَّل حجب اسمه: إن تل أبيب تسعى حثيثاً خلال هذه الفترة لإكمال صفقتها مع الخرطوم (مشروع القرن) بالتوقيع على اتفاق إبراهام الذي قطع السودان فيه شوطاً إبان الحكومة السابقة، خاصة وأن الوضع الحالي في السودان يعد مثالياً لإنجاز المهمة الأصعب لها في مشروعها الإسرائيلي،  لأن التطبيع مع إسرائيل كخيار شعبوي مرفوض لمعظم الشعب السودان الذي يرى أن خرطوم اللاءات الثلاث التي ظلت طوال تاريخ القضية الفلسطينية تقف إلى جانب الحق الفلسطيني في إقامة دولته على أرضه وعاصمتها القدس، وأن الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير خارجية الدولة الإسرائيلية إيلي كوهين  كانت بمثابة خطوة جريئة في هذا الاتجاه وما تلاها من زيارات أخرى علنية وسرية لمسؤولين في الخرطوم لاحقاً باعتباره تحدياً إسرائيلياً تسعى للتوصل إليه خلال هذه الفترة.

تحقيق مصالح

ويرى أستاذ العلاقات الدولية بالجامعات عبد الرحمن أبو خريس، أن إسرائيل تسعى من خلال تكثيف خطى التطبيع في هذه المرحلة تحديداً باعتبارها الأنسب من أي وقت مضى أو آخر آت،  وأضاف أن تل أبيب تعمل خلال كل مسيرات عملها سواءً بتوقيعها اتفاقات تطبيع أو إجراء تحرُّكات هنا أو هناك سرية أو علنية لتحقيق مصالحها غض النظر عن الأوضاع الداخلية للبلد المعني والصراع الذي يدور، وزاد: “تل أبيب لا يهمها ما يدور داخل الدول وتعمل بقدر استطاعتها لدعم ما تراه يتماشى مع الهدف الذي تسعى لتحقيقه، وأشار إلى أن حكومة الأمر الواقع الحالية تمثل الوضع الأمثل لإسرائيل لإنجاز هدفها الأسمى وهو التطبيع مع السودان وضمه لدول التطبيع ضمن مشروع إبراهام، لافتاً إلى أن القوى السياسية ليست على اتفاق حول ملف التطبيع, في الوقت الذي ترفض فيه الأحزاب العقائدية ومنها حزب البعث التطبيع مع إسرائيل ترى أخرى أن كل ما من شأنه تحقيق مصالح السودان ليس لديها مانع من المضي فيه إلى آخر المشوار، ويرى أبو خريس في حديثه لـ(الصيحة) هرولة تل أبيب نحو الخرطوم لإكمال الصفقة ترجع لقناعتها بأن وجود العسكريين على سدة الحكم يساعدها في تمرير مشروعها في ظل تباعد القوى السياسية وعدم اتفاقهم على مواقف مبديئة محدَّدة تجاه التطبيع،  فضلا عن اختلافاتها الآيديولوجية. وتابع: “العسكريون هم الأقرب لتحقيق مصالحها في ظل حكومة الأمر الواقع وهم الآن يسرعون الخطوات لتوقيع الاتفاق و تمرير ملفاتهم حتى يكون أمراً واقعاً”،وأكد أن حكومة تل أبيب الحالية تهدف بضم الخرطوم لحلف إبراهام لتحقيق مصالح داخلية على مستوى حكومتها في الداخل عبر توصيل رسائل لشعبها أنها ضمت حليفاً ظل تاريخياً مناهضاً لإسرائيل وفي ذات الوقت يسهم عبر التكتل المناهض لإيران من تقليل حدة التوتر في المنطقة بجانب رسائل أخرى تسعى من خلالها واشنطن الحليف الاستراتيجي لإسرائيل إيصالها للشعب الأمريكي في سباق الانتخابات المقبلة، ووصف الحكومة الحالية بأنها الأضعف والأنسب لتمرير الأجندات وأن إسرائيل تمضي بخطى حثيثة للاستفادة منه وتعتبر حال التوقيع على اتفاق إبراهام فإنه يصبح ملزماً بموجب القانون الدولي حتى وأن أتت الانتخابات بعد استكمال مسار الانتقال والتوافق بحكومة منتخبة رافضة للتطبيع، وأضاف: كل ما يمكن أن تفعله أي حكومة هو تقديم وجهات نظر أو مقترحات ترفع للنظر فيها، كما أن التوقيع يعطي انطباعاً عاماً بأنه فقد سنداً شعبياً وأضعف من حجم التضامن العربي الإسلامي تجاه القضية الفلسطينية.

خطوات استباقية

وكانت الخرطوم قد اتخذت خطوات استباقية مؤخراً لتأكيد نية التطبيع بإلغاء مجلس الوزراء لقانون قديم يعود لعام 1958 ينص على عدم الاعتراف بإسرائيل، وحفاظها على اتصالات مع إسرائيل منها المراسلات الرسمية، ومنها تهنئة رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان لـ”بنيامين نتنياهو” غداة تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، كما أن اللقاء الذي تم بين رئيس مجلس السيادة مع وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، شكَّل خطوة عملية أخرى باتجاه إكمال التطبيع والعمل على إرساء سبل علاقات مثمرة مع إسرائيل وتعزيز آفاق التعاون المشترك بين الخرطوم وتل أبيب، وأسفرت الزيارة عن اتفاق على المضي في تطبيع علاقات البلدين”.  فيما أعلن كوهين عقب اللقاء أن السودان وإسرائيل سيوقعان على اتفاق تطبيع العلاقات بينهما خلال العام الجاري يستند إلى مبدأ “السلام مقابل السلام.

عقبات ومصادقة

بالمقابل أشار مراقبون إلى أن عقبات كانت تقف أمام التطبيع الكامل بين إسرائيل والسودان وظل البلدين لسنوات طويلة عداءً بائناً، حيث حمل الجواز السفر السوداني في أوقات ماضية عبارة واضحة مفاده (صالح لكل الأقطار عدا إسرائيل)، وتستعجل إسرائيل -حالياً- إكمال الصفقة استباقاً لأي خطوات متوقعة  تنقل السلطة في السودان بموجبها إلى حكومة مدنية خاصة، وأن هنالك تحرُّك دولي وإقليمى كبير قطع أشواطاً رغم تباعد مواقف القوى السياسية المدنية باتجاه التوصل لاتفاق نهائي.

ويأتي التخوُّف الإسرائيلي واستعجاله إكمال مشروع القرن لقناعته بأن قوى سياسية سودانية فاعلة وأعداد مقدَّرة من الشعب السوداني تعارض بقوة التوجه نحو التطبيع منذ أول إعلان بهذا الخصوص، حيث يرون أن البرلمان الانتقالي، الذي لم يتشكَّل بعد، هو المخوَّل له المصادقة على مثل هذا الاتفاق أو رفضه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى