صلاح الدين عووضة يكتب : وما من مهم..

18 فبراير 2023
أو لم يعد هناك ما يهم..
أو أن الذي لا يهم هذا بلغ حداً – إزاء استحالة بلوغ ما يهم – حتى بات هو المهم..
تماماً مثلما أن العدم قد يكون له وجودٌ..
وذلك إن حل الشعور به مكان وجود يأبى على التحيُّث..
ومفردة (مسح) فرضت نفسها على ذهني أمس؛ وأبى تحيُّثها أن (يتمسح) منه..
فرضت ذاتها بلا سبب… وإذا عُرف السبب بطل العجب..
كما تفرض نفسها على الناس انقلابات الصباح للسبب ذاته؛ أي بلا سبب..
ثم لا يُعرف السبب… ولا يزول العجب… إلى أن تزول هي..
وإلى أن زالت (مايو) لا أحد عرف لماذا فرضت نفسها على الشعب فجراً..
ولا منظروه من أمثال بخيت… وعوض الكريم… وأبي ساق..
ولا حتى المنقلبون أنفسهم… فالمهم إنه انقلاب… يعقبه تقلُّب في نعيم السلطة..
ثم يعقبه تقلب آخر في جحيم الزوال؛ طال الزمن أم قصر..
فيتم (مسح) النظام… وآثاره… ورموزه… وخطبه… وهرائه؛ من ذاكرة الشعب..
المهم أن كلمة (مسح) تأبى أن تنمحي من ذاكرتي..
بمثلما عجزت ذاكرتي عن مسح ذكريات زمان (أمسح) الدراسية الأليمة..
أيام (مسحنا) للزاوية؛ وظلها… وجيبها… وجيب تمامها..
فبعد كل ذلكم المسح – والإعادة – ثبت لنا أن الهندسة المستوية مُسحت من زمان..
مُسحت من مقررات الدراسة في الدول المتطورة..
وأُستعيض عنها بهندسة نظريات أينشتاين الخاصة بعدم استواء المكان..
أي الهندسة المقعرة… والمحدبة… و(المكعبرة)..
وهذا هو الواقع الذي كان علينا دراسته؛ ولا وجود لخطٍ مستقيم بين نقطتين..
وكان الواجب (مسح) هذا الخطأ؛ لا مسح أخطائنا..
المهم أنه ليس هنالك من مهم؛ ولا يمكن أن يكون هذا المهم مفردة (مسح)..
وتذكرت – بمناسبة المسح هذا – شاعرنا (الأمي) علي المساح..
فهو كان (يمسح) حواري مدني بحثاً عن الجمال..
عن أي جمال يحرك مكامن موهبته التي اكتسبها بالفطرة؛ ولم يصقلها تعليم..
ومن بين أزقة هذه الحواري يتحفنا بـ(خلاصة الحواري)..
أو كما جاء في إحدى درره التي يستهلها بمقطع (يا غصن الرياض المايد)..
ثم يجئ الآن زمان شعري – وغنائي – نتمنى أنْ لو (يُمسح)..
وكذلك كل ما هو من زمان ظل الزاوية… وجيبها… وجتاها؛ مما تجاوزه الزمان..
فأمواج الزمن كأمواج النهر؛ تتغيّر دوماً… وأبداً..
والحالمون وحدهم من يتمنون ثبات الزمان؛ أو بقاء بعض ماضيه دون مسح..
وثورة ديسمبر شهدت فاصلاً من حكاية الحالمين هذه..
وكتبت أقول – نصاً – قبيل (مسح) أحلامهم هذه:
والآن لدينا حالمون جدد؛ ويتمنون دوام حلمهم هذا..
دوام نعيمٍ تمكّنوا فيه – ومنه – على حين غفلةٍ من التاريخ… والرقيب… والضمير..
فهم يعيشون الآن حالة (الزمان زمانك)؛ كما يقول المغني..
ثم سيجئ زمانٌ (يمسح) ذا الزمان..
وعما قليل سنسمع منهم ترديداً – بلسان الحال – مع مقطعٍ غنائي آخر هو:
قول للزمان… أرجع يا زمان..
هذا ما كتبته تنبؤاً؛ فلم يقرأه الذين كانت بأعينهم غشاوة الأحلام..
ولعلهم يقرأونه الآن بأثرٍ رجعي… لعلهم..
يقرأونه بعد (مسح) الغشاوة… والأحلام… والأوهام..
وهم يُردِّدون ما توقّعنا ترديدهم إياه بلسان الحال… وربما المقال أيضاً:
يُردِّدونه بعد أن تم (مسحهم) من ذاكرة الزمان..
قول للزمان… أرجع يا زمان..
والمهــم!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى