خليل فرح وتعليم المرأة

د. عبير كامل

لا شك أنّ الشيخ بابكر بدري هو الرائد الأوّل بلا مُنازع لتعليم المرأة ببلادنا، ومثله من تُقام لذكراه سنوياً المحافل والمهرجانات ويُطلق اسمه على أحد شوارع أم درمــان.
فمِن ثمار بذله في سبيل تعليم المرأة جامعة الأحفاد الحالية التي تَضــم ما يربو على الثمانية آلاف طالبة، وبذا تصبح الجامعة الوحيدة في العالم المُخصّصة فقط للطالبات، ولقد قرأت

في كتاب الدكتور علي الشبيكة (علمتني الأحفاد) قول بابكر بدري تَواضــعاً، إنّه ليس أوّل من بدأ تَعليم البنات في السودان، فقد سبقه كما يقول عددٌ مـن مَــشايخ الدين الذين حفظوا بناتهم القرآن الكريم قبله بكثير.

لم يقف الشاعر الكبير خليل فرح، على شعر الوطنية والغزل، فله قصـــائد كثيرة في الإخوانيات والاجتماعيات، ومن بين ما كتب في القضـــايا الاجتماعية حثه على ضرورة تعليم المرأة، في وقتٍ كان المُجتمع السوداني يَتَحَفّظ في تــعليمها، ويرى أنّ

مَكَانها بيتها وليس المَدارس، ولكن لوعي الخليل المُبكِّر وبعض اضرابه المُستنيرين في زمانهم، كان الحث على تعليم المرأة:

يلا يلا نمشي المدرسة سادة غير أساور غير رسا

يلا سِــــــــــــــيبي الغَطرسَــــــــــة شـــيلي كتب المدرسَـــــــة

السّاعة ستة دقت يا أم رسا نايمة والمُنبِّه حارســا

والخليل يرى أنّ الأساور تُقيِّد المرأة وتلزمها بيتها، وقد أوضح ذلك بجلاءٍ في قصيدته البازخة (عزة في هواك):

عزة ما اشتهت نوم الحجال ولا السوار بكى وفي يمينها جال

عزه شوفي كيف نهضوا العيال وجَدّدوا القديم صرفوا الخيال

فالحجول والأساور مَا هي إلا القُيُود التي تُقيِّد حركة الفتاة الحديثة وهنا يربط بين الرمزين الفتاة والوطن:

قالوا جاهلة خاملة مدسدسة أحلى من عليمة مقدسة

اسأليهم أهل الهندسة الدنيا دايرة ولا مثلثة

خاض الخليل معركة تعليم المرأه شعراً ونثراً فقد كتب في صحيفة (حضارة السودان) يوم 10/3/1921م:

(دارت الألسن وجمــدت الأقلام في هذا الموضوع، وما كنت لأكتب كلمة لولا أنني أقف بالقارئ ليستنتج رأيه على ضوء تلك النار المُتأجــِّجة بَين من يقدح، ومن يمدح، ولكن لا ينكر الطبع ولا العقل أن الشرائع أوجبت تعليم المرأة).. هكذا يكــتب الخليل في عام 1921م، فما بالك بنظرة المُجتمع السُّوداني لتعليم المرأة عام 1907 عَندما أنشأ الشيخ بابكر بدري أول مدرسة للبنات في رُفاعة، فلا غَرو أن بدأ أولاً ببناته وبنات أُسرته، وللمرء أن يتصوّر مُعاناة الشيخ بابكر بدري وتَحَمُّله للنقد والتّقريع مِن مُـــجتمعٍ مُحافظ لا يَرى للمَرأة مَكاناً إلا البيت.

إن صبر بابكر بدري وصموده كان بلا أدنى شك أسطورياً بأشعاره ومقالاته الصحفية في ذلك الزمان البعيد، يكشــــف لنا الخــــليل جـهود المُستنيرين في نشر الوعي الحديث في المـــجتمع وصـراعهم مــــع السـلفيين الذين كانوا يرون أنّ مُجرّد خروج المرأة مِن منزلها بدعة.. وعندمــــا دَارَ الزمان دورته انتصر فريق خليل فرح وارتقت المرأة ببلادنا في كل مَجَالات الحياة، بل أصبحت بلادنا مَضرب المثل في تحرير وانعتاق المرأة، إذ دَخَلت البَـرلمان ومجلس الوزراء، وشَغلت مَنصب القَضَاء والدبلوماسية وكُلّ المَجَــــالات الأُخرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى