الصراع الدولي في السودان.. دعم الإطاري وتلويح بالمحاسبة

الخرطوم تحوَّلت لكييف

الصراع الدولي في السودان.. دعم الإطاري وتلويح بالمحاسبة

تقرير- مريم أبَّشر

شهدت الخرطوم زيارات متزامنة لمبعوثين دوليين غربيين استبقت زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي وصل البلاد أمس، في زيارة تستمر ليومين ضمن جولة أفريقية.

الزيارات والتسابق الغربي الشرقي على السودان وإن كان ظاهره دعم العملية السياسية في السودان، ودفع مسار التسوية السياسية وتشكيل حكومة انتقالية تكمِّل ما تبقى من الفترة الانتقالية بوضع الترتيبات لانتخابات حرة وشفافة يختار فيها الشعب من يمثله، فإنها بالمقابل لا تخلو من استشعار أجواء التوتر والصراع العلني بين المحور الغربي المتمثل في دول الاتحاد الأوربي وأمريكا والمحور الشرقي الذي تتصدره روسيا والصين وقد زادت التوترات في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية التي أسهمت بشكل علني في ظهور المحاور والتكتلات.

وبما أن الحرب دخلت عامها الثاني فكانت أبرز إفرازاتها الأزمة الاقتصادية الخانقة سيما أزمة الوقود فضلاً عن نقص الغذاء  بسبب المقاطعة الاقتصادية وتأثر إنتاج القمح في كل من أوكرانيا وروسيا بسبب الحرب، حيث كانت أوكرانيا – تحديداً- مصدراً أساسياً للقمح للعديد من دول العالم، خاصة الغربية، في ذات الوقت الذي كانت فيه موسكو مصدر للغاز ومواد الطاقة للدول الأوربية.

وبما أن أفريقيا القارة الغنية بالموارد الطبيعية باتت محط الأنظار للدول الغربية، فإن التكالب الغربي الشرقي عليها ومحاولة إيجاد موطئ قدم بات واضحاً، وبما أن السودان بموقعة الاستراتيجي المميَّز يمثل قلب أفريقيا النابض، فقد بات ساحة للتسابق الدولي وقد أسهمت هشاشة الأوضاع السياسية فيه خاصة بعد انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر ٢٠٢١م، في زيادة حجم التدخلات الخارجية سواءً الإقليمي أو الدولي.

وتبرر موسكو لجولة لابروف بأنها تسعى لتعزيز التعاون والشراكة مع الدول الأفريقية.

اضطراب

مراقبون يرون أن زيارة لابروف الغرض منها الإسهام مع قاعدة الدول الأفريقية التي يقصدها إيجاد حلول لحالة  الأوضاع المضطربة في أفريقيا خاصة غربها، أما فيما يلي السودان فقد أكد وزير الخارجية السوداني المكلف، علي الصادق، أن الخرطوم  ستشرح لموسكو مسار العملية السياسية في السودان والجهود المبذولة لتحقيق التقارب الوطني وصولاً إلى تكوين حكومة مدنية توصل البلاد لانتخاب يختار الشعب من يحكمه بجانب التطرُّق إلى ملفات العلاقات الثنائية الممثلة في ملفات اللجان المشتركة، فضلاً عن تقييم البلدين متمثلة في مشاريع التعاون الممثلة  في توليد الطاقة من مياه الخزانات والأبحاث الجيولوجية والتعدين والنفط، إضافة إلى القضايا الدولية التي تهم البلدين.

أكد وزير الخارجية المكلف السفير علي الصادق، عن اتفاق السودان وروسيا على أهمية تعزيز التعاون وزيادته بين البلدين، خاصة في مجال التبادل الاقتصادي والعلاقات التجارية.

وقال الصادق في المؤتمر الصحفي الذي عقد مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، بمطار الخرطوم، بعد وصوله الخرطوم: إن الطرفين ناقشا القضايا الثنائية، مشيراً إلى أن الزيارة استغرقت يوماً واحداً، تبادل فيها الطرفان وجهات النظر في المجالات المختلفة.

وأكد علي الصادق، دعم السودان لسعي روسيا من أجل خلق عالم متعدد الأقطاب، والعمل على خلق أمم متحدة تتساوى فيها كل الدول، كاشفاً عن اتفاق مع الجانب الروسي على موضوع إصلاح مجلس الأمن، وقال: “أشدنا بالموقف الروسي الداعم للقضية الفلسطينية والسورية في المنطقة”.

علاقات متوازنة

لابروف بالقصر الجمهوري استقبله نائب رئيس مجلس السيادة، الفريق أول محمد حمدان دقلو، بمكتبه بالقصر والوفد المرافق له بحضور بعض السفراء المعنيين.

وبحث اللقاء حسب تصريح رسمي العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل تعزيزها في المجالات كافة، بما يخدم المصالح المشتركة، إلى جانب التطورات الإقليمية والدولية، فضلاً عن الأزمة السياسية الراهنة بالسودان، على ضوء الاتفاق الإطاري الذي تم توقيعه في ديسمبر الماضي.

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة، أهمية تعزيز علاقات التعاون والتنسيق بين البلدين، مشيراً إلى أن السودان يسعى إلى بناء علاقات متوازنة مع جميع الدول، تقوم على الاحترام المتبادل وتحقيق المصالح المشتركة، معرباً عن أمله في توصل روسيا وأوكرانيا إلى حلول سياسية ودبلوماسية، تنهي الحرب وتحقق الأمن والاستقرار والسلام بين البلدين، وتجنب العالم الآثار السالبة.

وقدَّم، شرحاً للوزير الروسي، حول التطورات السياسية الراهنة بالبلاد، على ضوء الاتفاق الإطاري، والتزام المؤسسة العسكرية بالخروج من العمل السياسي، تمهيداً لتشكيل حكومة مدنية، تقود إلى استكمال الفترة الانتقالية وصولاً إلى الانتخابات، داعياً إلى دعم الاتفاق الإطاري بوصفه يمثل مخرجاً للسودان .

من جانبه أعرب وزير الخارجية الروسي، عن سعادته بزيارة السودان، مشيراً إلى أهمية تعزيز العلاقات الثنائية، وتفعيل آليات التعاون المشترك خاصة اللجنة الوزارية المشتركة، بما يحقق مصالح البلدين، وأكد أن بلاده تتابع جهود الأطراف السودانية، في التوصل إلى حل سياسي للأزمة، وعبَّر عن أمله في استقرار الأوضاع في السودان، مبدياً استعداد بلاده، للتعاون معه في مجالات البُنى التحتية والطرق والمواصلات.

امتعاض

في الوقت الذي انخرط فيه ممثلو الدول الغربية في مباحثات مع الأطراف السياسية والعسكرية، السودانية، خرجت أعداد كبيرة من المتظاهرين استجابة لدعوات لجان المقاومة من الرافضين للتسوية مطالبين بإسقاط الحكم العسكري والتأسيس للحكم المدني. وقالت تنسيقيات لجان مقاومة الخرطوم في بيان مشترك أصدرته أمس الأول: إن التظاهرات  جاءت للتأكيد أمام المجتمع الدولي والوفود الزائرة، على تمسُّك الشعب بإسقاط الحكومة والتأسيس لسلطة الشعب ودولة الحرية والسلام والعدالة.

فرصة

الأستاذ خالد سلك، المتحدث باسم الإطاري، قال: أكدنا للمبعوثين الدوليين  أننا دعاة شمول، وأننا نأمل أن يلعبوا  دوراً فاعلاً في إقناع الأطراف – المتفق عليها – غير الموقعة على الاتفاق الإطاري، لتكون جزءاً من هذه العملية ولكي نصل معاً لاتفاق سياسي.

ويرى سلك، أن الاتفاق الإطاري يبحث فرصة حقيقية لمعالجة القضايا المهمة وأبرزها الوصول لجيش موحَّد وقومي، وأن تنأى القوات المسلحة والنظامية بنفسها عن العمل السياسي الذي أضر بها، مشيراً إلى أن الاتفاق الإطاري «وفر فرصة حقيقية لرفع هذا الضرر وسنعمل على اغتنام الفرص وتجنب التحديات التي يواجهها بروح إيجابية».

وأبدى تطلعهم للوصول إلى اتفاق نهائي بأسرع ما يمكن، مشيراً إلى أن «ما يهم الشعب ويتطلع إليه فعلاً، أن تكون هناك حكومة مدنية ذات مصداقية لتتعامل مع الإشكالات الرئيسة الفقر والانفلاتات الأمنية، وبلوغ أهداف الانتقال المدني الديمقراطي دون تشتت».

وأكد أن كل الأطراف المدنية والعسكرية الموقعة على الاتفاق الإطاري «ملتزمة به، وتريد المضي بالعملية السياسية إلى الأمام»، وأنها «متفقة على محتوى الاتفاق الإطاري، ولكن البعض لديهم وجهات نظر مختلفة حوله»، آملاً أن «تدار بأفضل طريقة ممكنة».

وأضاف: «لا توجد خلافات حول المحتوى، فقط المطلوب إرادة سياسية».

تكالب دولي

بعض المراقبين يرون أن  التكالب الدولي الجاري من أجل التأثير على تطور الوضع الداخلي للبلاد، وإعادة تشكيله  يعزا لهشاشة الأوضاع السياسية في السودان وحالة اللادولة التي تطاول أمدها في ظل تمترس القوى السياسية في مواقفها.

وفي تقديرهم أن زيارة لافروف والمبعوثين الدوليين المتزامنة قبلها، وأيضاً الزيارة التاريخية لوزير الخارجية الإسرائيلي تمثل حلقة من سلسلة من التحركات، الإقليمية والدولية النشطة، والتي يعد السودان إحدى محطاتها وذلك  في سياق التنافس على كسب التأييد، واشتداد حدة الاستقطاب والاستقطاب المضاد، حول الموقف من الحرب في أوكرانيا وبجانب العمل على محاصرة مهمة لافروف، كهدف رئيس، من خلال التشويش وخلق حالة من  الارتباك لدى  المسؤولين في الخرطوم والضغط عليهم، والحيلولة بينهم وبين أي اتفاق محتمل مع لافروف، خاصة أن القضايا التي سيبحثها لافروف في الخرطوم ذات حساسية عالية بالنسبة للغرب، ما يجعل ما حدث في الخرطوم من تعاقب شكل من أشكال  حلبة صراع بين طرفي الحرب الأوكرانية الروسية في الخرطوم، فضلاً عن ممارسة الضغوط على  المكوِّن العسكري للالتزام بالتسوية بالاتفاق الإطاري، والشروع في تكوين حكومة مدنية لقيادة البلاد خلال الفترة الانتقالية والترتيب لانتخابات تأتي بحكومة يختارها الشعب بنفسه.

 تلويح بالمحاسبة

دعم المبعوثون الدوليون لم يعد خافياً، سيما وأنهم لوَّحوا بمحاسبة أي طرف سواءً عسكرياً أو مدنياً يعمل على عرقلة العملية السياسية ووفق بيان صادر عن المجموعة جاء فيه :

اختتم المبعوثون الخاصون والممثلون من (فرنسا وألمانيا والنرويج والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي) زيارة مشتركة إلى الخرطوم دعماً لشعب السودان ومطالبتهم باستئناف قيادة مدنية للانتقال إلى الديموقراطية.

وأضاف البيان: اجتمع المبعوثون الخاصون والممثلون مع مجموعة من الجهات الفاعلة السودانية بما في ذلك الموقعين المدنيين على الاتفاق السياسي الإطاري، وممثلين عن المجتمع المدني، ولجان المقاومة، والموقعين على اتفاق جوبا للسلام والقيادة العسكرية.

وحث المبعوثون الخاصون والممثلون الأطراف السودانية على إجراء حوار شامل على أساس الاتفاق السياسي الإطاري، والعمل على معالجة الأسباب الجذرية للصراع، والعمل على بناء سودان مستقر ومزدهر.

كما حث -أيضاً- المبعوثون الخاصون والممثلون الأطراف على تعميق وتوسيع التزامهم بحوار شامل والجمع بين النساء والشباب والممثلين من جميع أنحاء السودان للمشاركة في تشكيل مستقبل بلادهم.

وشدَّدوا بالقول: تظل عملية الاتفاق السياسي الإطاري في نظر المبعوثين الخاصين والممثلين أفضل أساس لتشكيل حكومة انتقالية بقيادة مدنية، ووضع ترتيبات دستورية لفترة انتقالية تتوَّج بالانتخابات. وتابعوا: يحدونا أمل كبير في أن يبذل الطرفان جهودًا متضافرة لإنهاء المفاوضات والتوصل إلى اتفاق نهائي سريعًا لتشكيل حكومة انتقالية بقيادة مدنية لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية والإنسانية الملحة في السودان.

ولفتوا بقولهم: نتفهم ونقر بأن الباب لا يزال مفتوحًا لمجموعات إضافية للمشاركة في العملية. ندعو جميع الأطراف إلى وضع المصلحة الوطنية للسودان فوق الغايات السياسية الضيِّقة والانخراط بشكل بنَّاء مع بعضهم البعض لتحقيق مطالبات الشعب السوداني المستمرة بالحرية والسلام والعدالة.

وتابع البيان: وإدراكًا لهشاشة التحوُّلات الديموقراطية، نقف متحدين في تعزيز المساءلة لأولئك – بما في ذلك العناصر العسكرية أو الجماعات المسلحة أو الجهات الفاعلة المدنية – الذين يحاولون تقويض أو تأخير انتقال السودان إلى الديموقراطية.

وطالبوا بالاحترام الكامل لحرية تكوين التجمعات والتجمُّع والتعبير السلمي أمر حيوي. لقد دأبنا على إدانة العنف والاعتقال الجائر للمتظاهرين السلميين ودعونا إلى محاسبة المسؤولين.

وأكدوا مساندتهم للشعب السوداني بقولهم:   نظل ملتزمين بدعم رغبة الشعب السوداني في دفع عجلة التحوُّل الديموقراطي في بلاده تحت قيادة مدنية. إنشاء حكومة انتقالية بقيادة مدنية هو المفتاح لإطلاق العنان لاستئناف المساعدات الدولية والاستثمار وتعميق التعاون بين حكومة السودان والشركاء الدوليين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى