سراج الدين مصطفى يكتب: مختار دفع الله.. حروف للفراشة

 

(1)
في العام 2014 وصلتني دعوة لتغطية مهرجان الثقافة والسياحة بمدينة كسلا الجميلة.. ولم أتردّد في قبول الدعوة بسبب أنني كنت أرغب في رؤية مدينة كسلا على أرض الواقع بعد ما شاهدتها من خلال أشعار كجراي والحلنقي وهلاوي، وكل تلك الأغاني الجميلة التي كتبت فيها، كانت رحلة ما زالت ذكرياتها في الخاطر، لأنّني رافقت وقتها رهطاً من مبدعي هذا البلد بقيادة رئيس جمهورية الحب وابن كسلا الشاعر الكبير إسحق الحلنقي وأستاذي الشاعر الراحل سعد الدين إبراهيم والشاعر عبد الوهاب هلاوي والشاعر محمد نجيب محمد علي ومخرج الروائع شكر الله خلف الله والأستاذ الصحفي فتحي الرحمن النحاس ومدير إدارة البرامج بالتلفزيون القومي وقتها الأستاذ يس إبراهيم والمذيع الجميل طارق كبلو والشاعر مختار دفع الله.
(2)
في تلك الأيام تشرّفت برفقة أولئك المبدعين، وكنت محظوظاً غاية الحظ أن رافقت الأستاذ إسحق الحلنقي في غرفة واحدة طيلة أسبوع كامل، اكتشفت فيها عظمة هذا الإنسان العظيم الذي سكب روحه وكل سني عمره لأجل الشعر، ولكني هنا أتوقّف عند الشاعر مختار دفع الله، فهو كان ملح الرحلة وسكرها، إنسان في غاية اللطف وصاحب روح مرحة ودعابة ونكتة حاضرة، وكنا جميعاً نتحلّق في المكان الذي يجلس فيه بسبب خفة روحه ودعاباته التي لا تنقطع، فهو إنسانٌ بديعٌ بمعنى ومبنى الكلمة، كما أكد من قبل بأنه شاعر صاحب حضور طاغ في الوسط الغنائي السوداني من خلال ما قدمه من أشعار غنائية حرفت اسمه بين الكبار وأصحاب العطاء المتجاوز.
(3)
يعتبر الشاعر مختار دفع الله من جيل الوسط في الأغنية السودانية أو ما يُطلق عليه (جيل السبعينيات) في الأغنية السودانية وهي فترة زاهية من عُمر الغناء السوداني، حيث ظهر جيل جديد بمفاهيم جديدة ومختلفة عن حال السائد في الشعر الغنائي، ويُعد مختار دفع الله واحداً من أبرز شعراء جيل السبعينيات من خلال العديد من الأغاني التي قدمها ويأتي في مقدمتها أغنية (ساقية جحا) التي تغنى بها الفنان الكبير صلاح بن البادية وأغنية (حروف للفراشة) التي تغنى بها الفنان الكبير صلاح مصطفى، تلك الأغاني قدمت مختار دفع الله كشاعر جديد صاحب لونية غنائية مختلفة ووضعته في وضعية مميزة بين أبناء جيله.
(4)
ولد الشاعر مختار دفع الله في منتصف خمسينات القرن الماضي، وعاش طفولته الباكرة بمدينة أم درمان والتي تفرّقت سنواتها الأولى ما بين خلوة شيخ أمين بأبي روف وخلوة الكتيابي بحي البوستة بأم درمان، عرفه الناس من خلال أغنياته فهو كما ذكرنا آنفاً يعتبر من جيل السبعينيات في الغناء السوداني، حيث شدا بكلماته عدد وافر من المطربين الكبار والشباب، لعل أشهرهم صلاح بن البادية (ساقية جحا) وصلاح مصطفى (حروف للفراشة) المعروفة بمقطعها الأول:
يا شدر بلدي وبيوتا
يا ربيع ما هان عليه
يمر بساحاتنا ويفوتا
يا أماسينا الحبيبة
وأمنيات صبحت قريبة
ويا مطر ساقي المرابيع الجديبة
(5)
كما غنى له خوجلي عثمان أغنية (يا مشرقة) ويوسف الموصلي وسيف الجامعة والأمين عبد الغفار (غيث هواك) وإسماعيل حسب الدائم وإمبراطور الطمبور الفنان صديق أحمد والمطربة المعتزلة حنان النيل وفنان الشاب الراحل محمود عبد العزيز بأغنية عمري، ونبوغ موهبة الشاعر مختار دفع الله كان تحت رعاية أبوية من شعراء كبار أمثال محمد بشير عتيق ومبارك المغربي ومحمد يوسف موسى ومحمد علي أبو قطاطي في بدايات السبعينات.
(6)
الشاعر مختار دفع الله تغنى له الكثير من الفنانين ولكنه كان يتمنى أن يغني له الفنان الراحل إبراهيم حسين.. حيث صرح قائلاً كنت أتمنى أن يتغنى الفنان العملاق إبراهيم حسين بأحد أعمالي، بحكم أنني من أشد المُعجبين بصوته وفي كل مرة أمنحه نصاً، يقول لي (كويس) و(يطنش)، فذهبت إليه ذات مرة في منزله وأعطيته نصاً شعرياً بعنوان (يا تخلينا يا تهنينا) على أساس أنه من كلمات الشاعر إسحق الحلنقي، فقام الفنان إبراهيم حسين بتلحينها وشدا بها في مهرجان الثقافة الثاني، حتى سجل هذا العمل بالأجهزة الرسمية باسم إسحق الحلنقي، ولكن جاء الحلنقي وفضح أمري بزاويته اليومية (عسل شرقاوي).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى