بعد التحذير من مغبة إلغائه: اتفاق سلام جوبا.. تقييم أم تعديل؟

بعد التحذير من مغبة إلغائه: اتفاق سلام جوبا.. تقييم أم تعديل؟

تقرير- صبري جبور

الثلاثاء الماضي، بقاعة الصداقة في الخرطوم،  بدأت فعاليات مؤتمر تقييم وتقويم اتفاق جوبا للسلام وسط غياب حركتي تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي والعدل والمساواة التي يرأسها جبريل إبراهيم، إثر انضمامهما لائتلاف الكٌتلة الديموقراطية المناهض للاتفاق الإطاري الموقع بين الجيش وأطراف مدنية في الخامس من ديسمبر الماضي. فيما تتهم  تلك الحركتان، قوى الاتفاق الإطاري بالعمل على إلغاء اتفاق جوبا من خلال عقد ورشة التقييم، وحذَّرت أن إجراء أي تعديلات في الاتفاق سيقود إلى اندلاع الحرب.

وفي الوقت الذي اعتذرت فيه تلك الفصائل المسلحة عن المشاركة في ورشة التقييم بالخرطوم التي تعتبرها من  مخرجات الاتفاق الإطاري، قبلت دعوة من جنوب السودان لتقييم ذات الاتفاق الذي رعته جوبا في أكتوبر من العام 2020م، ترى أن مؤتمر “جوبا” مهم لتحريك الجمود الذي لازم الاتفاقية منذ التوقيع عليها.

هذه الأيام تعقد القوى الموقعة على (الإطاري)، سلسلة مؤتمرات لمناقشة خمس قضايا عالقة، من شأن الاتفاق عليها التمهيد لتوقيع اتفاق نهائي يفضي إلى التحوُّل الديموقراطي وتشكيل حكومة مدنية.. وتشير(الصيحة) إلى أن القضايا الخمس تتمثل في (تفكيك نظام الثلاثين من يونيو- العدالة الانتقالية -تقييم اتفاق السلام، قضية الشرق، وإصلاح المنظومة العسكرية والأمنية).

على ضوء ذلك،  آثارت التصريحات التي أدلى بها عضو مجلس السيادة الهادي إدريس، وتهديده من مغبة إلغاء اتفاق سلام جوبا رغم تأكيد رئيس البعثة الأممية في السودان فولكر، أن ورشة اتفاق السلام ليست من أجل إلغاء أو تعديل الاتفاق أثارت جدلاً واسعاً وسط أطراف العملية السياسية، ربما أراد إدريس أن يرسل رسائل لعدة جهات داخلية وخارجية.

يرى خبراء ومختصون أن حديث إدريس، بمثابة الخوف من فقدان المكاسب الكبيرة التي حققتها الحركات في الاتفاق،  لذلك يريد قادة الحركات أن يتمترسون في هذه المحطة، وقال: ” لكن من الأوفق أن تتم مراجعة الاتفاق وفق المتغيِّرات الراهنة”.

 إرادة سياسية

قطع رئيس الجبهة الثورية السُودانية الهادي إدريس، بعدم سعيهم لإجراء تعديلات على اتفاق “جوبا” للسلام من خلال ورشة تقييم الاتفاق التي بدأت الثلاثاء. وقال إدريس الذي قدَّم ورقة حول “التعريف بمضامين وملامح اتفاق جوبا وتحديات التنفيذ الرئيسة” في اليوم الثاني للمؤتمر: ” نريد إنزال الاتفاق لأرض الواقع وإحيائه والهدف من الورشة ليس الإلغاء أو التعديل، بل تقييم التنفيذ ولن نسمح بإلغاء الاتفاق”.

وأشار إلى أنهم يعملون على خلق زخم سياسي جديد من خلال المؤتمر وإلزام الحكومة المدنية المقبلة بتنفيذه، وتابع: ” لا نُريد أن نرى الاتفاق معلَّق في الخرطوم بين القصر الجمهوري ومجلس الوزراء أو في رئاسة الولايات ولو مضينا في هذا النهج سيواجه مصير اتفاقيات السلام السابقة”.

وأكد الهادي استحالة إجراء أي تعديل على وثيقة جوبا دون موافقة الأطراف الموقعة عليه، ورأى بأن ما يتردد بشأن وجود اتجاه لإلغاء الاتفاق حديث بلا قيمة، مبيِّناً أنهم أحرص الناس على تنفيذه وإنزال بنوده لأصحاب المصلحة.

وأكد إدريس في ورقته أن الأسباب الرئيسة وراء عدم تنفيذ الاتفاقية هو ضعف الإرادة السياسية لدى الموقعين وحمَّلهم جميعاً المسؤولية مباشرة في عدم توفير آليات التنفيذ، علاوة على عدم الالتزام بالجداول الزمنية وعدم إجازة القوانين الخاصة به بجانب تعدد الأطراف الموقعة على الاتفاقية.

واعتبر  ماحدث في 25 أكتوبر- استيلاء الجيش على السلطة- ساهم بشكل رئيس في عدم استقرار الوضع السياسي وعطَّل تنفيذ الاتفاقية.

تفاهمات جديدة

يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة أفريقيا العالمية، دكتور محمد خليفة صديق، أن تصريح الهادي إدريس، غير موفق،  وليس في محله، وأشار صديق  في إفادة لـ(الصيحة) أن اتفاق سلام جوبا ليس كتاباً منزَّلاً، وأضاف: إنما تم وفق معطيات محدَّدة. وإذا تغيَّرت تلك المعطيات ممكن أن يتغيَّر الاتفاق، حيث يتم الوصول إلى تفاهمات جديدة.

ويؤكد خليفة ” يبدو أن الحركات المسلحة لاسيما حركة الهادي أنها تخشى من فقدان المكاسب الكبيرة التي حققتها في اتفاق جوبا،  قد لاتجدها  بسهولة في أي اتفاق آخر”،  وأضاف: ” لذلك تخرج بهذه التهديدات.. وتابع: لا اعتقد أن هذه التهديدات قابلة للتنفيذ،  رغم أن السودان مهدَّد بالتفكيك، نتيجة لحيثيات مختلفة وسيناريوهات قد تحدث كالحرب الأهلية والتقسيم.

جرد حساب

من جانبه أكد الخبير والمختص في العلاقات الدولية، دكتور محمد أبو السعود، إن اتفاق جوبا أصبح عبئاً على البلاد، وذلك من خلال الصرف عليه،  لاسيما في وجود (5) جيوش، يقدَّر الصرف عليها يومياً بنحو  (55)  مليار جنيه، في ظل أوضاع اقتصادية صعبة بالبلاد.

ويقول أبو السعود في إفادة لـ(الصيحة):  إن تكلفة الحرب كانت أقل بكثير من التكلفة الباهظة للسلام – الآن، مشيراً إلى أن الحكومة الموجودة ليس لديها إمكانية مالية لتصحيح وضع الترتيبات الأمنية فيما يتعلق بالتسريح والدمج، وانتقد أبو السعود المجتمع الدولي بشأن عدم  دعم عملية السلام. وقال: ” معروف المجتمع الدولي بتاع كلام ساي “.

وطالب أبو السعود بانتهاء اتفاق جوبا بانتهاء الفترة الانتقالية، حتى يتم استيعاب قوات الحركات في جيش قومي موحَّد والأجهزة الأمنية المختلفة.

ولكن استبعد أبو السعود في إفادته للصحيفة دمج قوات الحركات المسلحة في الوقت الراهن،  فيما حذَّر من مغبة الدعوة لخروج قوات الحركات المسلحة خارج  العاصمة الخرطوم. وقال: “فتح أي أبواب لتقييم أو خروج الحركات خارج العاصمة بمثابة إعلان حرب “.

ووصف أبو السعود إن الفترة الانتقالية تمثل للحركات “العصر الذهبي”، لاسيما أن وضعها بمجئ الانتخابات سيكون مختلفاً وغير ذلك، داعياً القوات المسلحة السودانية أن تنتبه لكل أشكال المخططات التي تحيك بالبلاد، وأضاف: -أيضاً- على الحركات المسلحة أن تكون داعمة لمصلحة الوطن والمواطن .

تقييم في جوبا

نائب المُتحدث باسم حركة العدل والمساواة السودانية حسن إبراهيم فضل، قال: إن أطراف الاتفاق تلقت دعوة من وساطة جنوب السودان لورشة حول الاتفاق في الفترة من 10 – 18 فبراير المقبل بجوبا،وقال لـ”سودان تربيون”: إن الورشة قسِّمت لاجتماعين يبدأ الأول في العاشر من  فبراير وهو خاص بالمفاوضين على أن يبدأ الاجتماع الثاني في الخامس عشر من ذات الشهر وينتهي في 18 فبراير، وهو خاص برؤساء التنظيمات الموقعة على أن تعقد جلسة ختامية يحضرها رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان ورئيس دولة جنوب السودان سلفا كير ميارديت.

وأشار إلى أن اتفاق جوبا حدَّد بوضوح آليات وأطراف التقويم، وأكد أن الجهات التي نظمت ورشة التقييم بقاعة الصداقة ليسوا من ذوي الاختصاص، ولا يعنيهم التقييم، وأضاف بقوله: “هؤلاء  يظهرون المراجعة ويضمرون الإلغاء وبالتالي سوف لن نتسامح مع أي إجراء يستهدف الاتفاق مهما كانت النتائج”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى