الرئيس السابق لـ”حزب المؤتمر السوداني” إبراهيم الشيخ لـ(الصيحة):

انتابني إحساس بوجود عدد من المتاريس غير قادرة على الارتقاء إلى قامة السلام

ما تم في أديس أبابا مَهر رخيص جداً للسلام

الجبهة الثورية كانت متمترسة حول نقطة عدم الثقة

الطرفان توصّلا لتسمية رئيس مجلس الوزراء ومجلس سيادة منقوص

النظام السابق له أجندته وغير حريص على السلام

صولات وجولات، سيناريوهات محتملة، عقبات تفاوض، وساطة، سقوط الشهداء، جرحى، اتهامات متبادلة، بين المجلس العسكري، وقوى الحرية والتغيير، أفرزها واقع مرير عقب السادس من أبريل، الذي انتهى بسقوط نظام الإنقاذ ورئيسه البشير الذي دام قرابة الثلاثين عاماً، كل ذلك اعتلى المسرح السوداني، وأصبح يومياً نشاهد فواصلها التي شارفت على النهاية، إلا أن جهات تسعى للسباحة عكس التيار، فتسيل الدماء منهمرة بين الفينة والأخرى، ويتساقط الشباب في ربوع سوداننا الحبيب، أملاً في تحقيق سودان معافى من الحروب والدماء التي أصبحت رخيصة بلا ثمن.

كانت السانحة أن تجلس (الصيحة) إلى الرئيس السابق لحزب المؤتمر السوداني إبراهيم الشيخ الداعم الرئيسي للثورة والثوار.. فإلى إفاداته.

الحلقة الأولى

 

حوار: أم سلمة العشا

تصوير: محمد نور محكر

*بدءاً صف لنا ما دار في مفاوضات أديس أبابا؟

على إثر الموقف المعلن من الجبهة الثورية باعتبار أنها عضو في نداء السودان، ذهبت إلى أديس أبابا قبل بدء جولات التفاوض، بمعية مريم الصادق المهدي، وقد أبدى أعضاؤها غضباً شديداً مما ظنوه تجاهلاً وإقصاءً لهم، من قبل نداء السودان وقوى الحرية والتغيير، كما أنهم يعتقدون أن قضايا الحرب والسلام لم تجد حظها من الثورة والقيادة الراهنة بالداخل لقوى الحرية والتغيير. وتأسيسًا على ذلك، تم تجميد عضويتهم في نداء السودان والحرية والتغيير، وسحبوا عضويتهم وممثليهم في التفاوض والتنسيقية.

إزاء ذلك، تم تكليفنا بالدعوة لحل الإشكالية، ابتدرنا لقاءاتنا في البداية مع مني أركو مناوي، حركة تحرير السودان، والحركة الشعبية قطاع الشمال، قرابة أربعة أيام متواصلة، سعينا بشكل عميق لحل المشكلة وفعلاً استطعنا تهدئة النفوس وامتصاص الغضب الكبير.

*ماذا بشأن المجموعات الأخرى الحاملة للسلاح؟

تقرر حضور كل الوفود الأخرى المكونة للجبهة الثورية لتداول قضية السلام بشكل عميق، ومن ثم يتم عمل اتفاق إطاري، أو خارطة طريق للسلام، بالفعل بدأت الوفود من الجبهة الثورية تصل تباعاً العدل والمساواة، ياسر عرمان، د. الهادي، المجلس الانتقالي للجبهة الثورية، كوش، الاتحادي الديمقراطي، التوم هجو، مجموعات مختلفة حاملة للسلاح وغيرها من المدنيين داخل الجبهة الثورية.

بعد اكتمال العدد بدأت سلسلة لقاءات طويلة بحثت جذور الأزمة، وتم التوصل إلى ورقة محددة.

*على ماذا ارتكزت الورقة، وما هي أهم محاورها الرئيسية؟

تناولنت الورقة القضايا الجوهرية من قبل المعنيين بالسلام، مثل قضايا الهامش والمركز، العلاقة بين الأقاليم والمركز، إعادة اللاجئين وتوطين النازحين وتعويضاتهم، إعادة الحواكير المستلبة من قبل أطراف أخرى، العدالة الانتقالية، المصالحات اللازمة، قضايا المواطنة، بجانب مناقشة قضايا تتعلق بتهيئة مناخ بناء الثقة بين الجبهة الثورية والحكومة القادمة التي من شأنها إطلاق سراح الأسرى، تبادل الأسرى من قبل الصليب الأحمر، إسقاط الأحكام الصادرة بحق الجماعات المحكومة بسبب الحرب، فتح المسارات الإنسانية، العدالة الانتقالية وتسليم الجناة الذين ارتكبوا انتهاكات جسيمة مثل الاغتصاب التصفيات الجسدية، تم التواثق على القضايا باعتبار أنها خارطة طريق لملف السلام.

*ما هي العقبات التي اعترضت التفاوض؟

هنالك قضية عالقة، تتعلق بأن قضية السلام تأخذ 6 شهور الأولى من عمر الفترة الانتقالية، والناس تعكف على ملف السلام وتنجزه، ثم يتحول الجميع لإدارة البلد، بما في ذلك الحركات المسلحة، كما أن القضية بحيثياتها وردت في اتفاق أبو ظبي، وتم تناولها في قضايا الحرب، وتم طرح مسألة الستة أشهر بجانب حكومة تسيير أعمال لفترة مؤقتة، ثم تحل كل الأجهزة التي تشكلت في فترة ما قبل السلام، تأسيساً لاتفاقية السلام، وتتم إعادة تشكيل الحكومة بشكل جديد يستصحب المجموعات الحاملة للسلاح والإخوة في الجبهة الثورية، وحتى الإخوة غير الموجودين مثل حركة تحرير السودان برئاسة عبد الواحد محمد نور والحركة الشعبية جناح الحلو، كما تمت مراجعة مسألة الـ6 شهور غير أن هنالك بعض الآراء التي تقول إن الـ6 شهور كثيرة.

*هنالك أزمة ثقة بين الجبهة الثورية، وقوى الحرية والتغيير، أو النخب الشمالية، بشكل عام كما أن لديهم قناعة راسخة بأن المجموعات تغفل قضايا السلام والهامش، وأنهم لا يختلفون كثيراً عن الحكومات التي تعاقبت على حكم السودان.

*في تقديرك ما الذي حققته الثورة؟

الذي تحقق للثورة والثوار كثير، وتم بدم غالٍ وضحايا، كما أن الناس مهتمة بالسلام، وكذلك الشباب مهتمون بالسلام، وأن هنالك رؤية جديدة في استشراف أفق جديد وسودان جديد.

*ماذا بشأن عامل الثقة بين الأطراف؟

الجبهة الثورية كانت متمترسة حول نقطة عدم الثقة إلى أن جاء الوسيطان الأثيوبي والأفريقي، وقدما رؤاهما، وبعد جدل كبير وصلوا لقناعة لتسمية رئيس مجلس الوزراء ومجلس سيادة منقوص، بحيث يكون (5،5+1)، وتم تقديم مقترحين، وإلى الآن مطروحان (5،5+1+4) على أن يتم منح الـ(4) للسلام وتمثيل المجموعات الحاملة للسلاح بـ(4) مقاعد إضافية تشمل كل المجموعات بمن فيهم عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور.

المقترح الثاني إذا لم يقبل به المجلس العسكري، ولم يجد مساحة للتنفيذ بدلاً عن (5،5+1) يكون (3،3+1) على أن يؤجل المجلس العسكري تسمية (2) من مجموعته، وقوى الحرية والتغيير تتنازل عن مقعدين للجبهة الثورية، وألا يتم تسميتهم إلا بعد اتفاق السلام بما يعني أن مجلس السيادة وحتى لا يكون فيه غلبة عسكرية يكون (3،3+1) إلى أن يتم تحقيق السلام يرجع إلى (5،5+1).

هذا آخر مقترح تم الاتفاق عليه، وهو غير معلن، وتم الاتفاق عليه بالتراضي، والآن مطروح في أروقة قوى الحرية والتغيير، والآن الكتل تتباحث في هذه المسألة حتى تتم إجازتها بشكلها النهائي.

*ما هي ضمانات ذلك المقترح؟

ابتداءً أن الوسيط كان متحمساً جداً للورقة الأولى التي حوت القضايا الجوهرية المتعلقة بقضايا السلام، وبناء الثقة، الوسيط قال لنا: اتفقوا وأعطونا ما تحصلتم عليه من اتفاق، أنا متكفل بإضافة الورقة للاتفاق السياسي، والإعلان الدستوري، وحتى المجلس العسكري على لسان ياسر العطا التزم بما تم في أديس أبابا، لقناعة بتسمية رئيس مجلس الوزراء ومجلس سيادة منقوص التي لم تتح لها أن تحقق السلام، وجميعنا نعلم أن أكثر من 20 جولة خاضتها الحركات المسلحة مع النظام السابق من خلال مظلة الاتحاد الأفريقي دون أن تكلل بالنجاح، لأن النظام كانت له أجندته وغير حريص على السلام، يتاجر بالحرب، وهي إحدى أدوات الفساد المستشري في البلد، وبالتالي أعتقد أن كل المقومات والفرص متاحة في أن تحقق السلام، كل الذي أتطلع إليه أن الإخوة في الحرية والتغيير يجيزون ما تم الاتفاق عليه في الداخل حتى يصبح واقعاً بين الناس.

*هل هنالك أي توقعات وتحسّب لحدوث تراجع وانتكاس عما تم توصلت إليه أطراف التفاوض؟

خط الرجعة يكون من عجز القادرين على التمام من الطرفين، قوى الحرية والتغيير، والكتل الخمس أو الست المشكلة لها، يمكن أن تعجز عن قراءة ما تم الاتفاق عليه، في أديس أبابا قراءة صحيحة سليمة، ويعجزون أن يضيقوا ليتسع الطريق، قضية السلام والبحث الذي تم له في أديس أبابا لم يتوفر في أي وقت في تاريخ السودان، عكفنا على القضية، وتم نقاشها خلال عشرين يوماً، ولا يوجد منبر أتيح مثلما أُتيح في هذا المنبر للمناقشة وإخراج الهواء الساخن من الدواخل، وذلك من خلال استدعاء التاريخ السابق منذ الاستقلال مروراً باكتوبر (64) وأبريل (85) حتى الثورة الحالية، وكيفية عدم استطاعة نخب السودان مخاطبة جذور الأزمة، بجانب عدم استطاعتها إقامة تنمية متوازنة في الأطراف والهامش، واستصحاب المجموعات المختلفة في الحكم والسلطة، مما خلق غبائن تاريخية أفرزت الحرب اللعينة وانتهت بانفصال جنوب السودان، والذي تعدى مناطق أخرى في السودان.

*ما هو تقييمك لما حدث في أديس أبابا؟

ما تم في أديس أبابا مهر رخيص جداً للسلام، ولكن قبل يومين عكفت على عمل تنوير للتفاوض والتنسيقية المشتركة للمجلس القيادي لقوى الحرية والتغيير، انتابني إحساس بوجود عدد من المتاريس، المجموعات نفسها غير قادرة على الارتقاء لقامة السلام.

*هل تعاني أطراف التفاوض من عدم الثقة؟

ما تزال هنالك هوة واسعة بين المجموعات والأطراف المتحاورة بسبب أزمة الثقة، بجانب أن الاتهامات متبادلة بين قوى الإجماع ونداء السودان، ومجموعات داخل نداء السودان والجبهة الثورية، بالتالي لا نستطيع القول إن الثقة متوفرة، الأوضاع هشة وقابلة للتمزق والانفجار في أي لحظة، لكن رغم كل ذلك، هنالك حرص على السلام والوحدة والتغيير، رغم ما يتخللها من أزمات ومطبات وعدم ثقة.

*كيف تنظر إلى تداعيات الثورة منذ بدايتها؟

الثورة السودانية كانت ملحمة تفاعل فيها كل أهل السودان، نساء رجال وأطفال، والظاهرة الملفتة دور النساء، فالمرأة السودانية أسهمت بقدر وافر في الثورة، والشباب قدموا تضحيات جساماً، مئات الشهداء تساقطوا في الطريق نحو النصر و6 أبريل، ومنها وحتى اليوم سقط نحو (6) شهداء بمدينة الأبيض، كما أن في ميدان الاعتصام تساقط المئات، بعد فضه، وقبله في الثالث من رمضان تساقط العشرات، فهي ثورة رُوِيت بالدم كما لم تروَ أي ثورة أخرى في تاريخ السودان عدا الثورة المهدية، أعتقد أن الثورة سوف تُغيّر الكثير، وتفتح آفاقاً كبيرة، وقضايا أكبر، فالثورة صارت ثورة شعب شعاراتها صارت معبرة في الشارع طولاً وعرضاً.

*ما الفرق بين ثورة ديسمبر والثورات التي اندلت في أكتوبر 64، وأبريل 85؟

الفروقات كثيرة جداً، لم أعاصر ثورة 64، ولم أشارك فيها، لكن ثورة أبريل 85 كنت فاعلًا وشريكاً من موقع الحركة الطلابية ورئيس المجلس الأربعيني بجامعة الخرطوم الذي قدم إسهاماً فاعلاً في الثورة، الاختلاف بين الثورات في حجم المشاركة الجماعية، في طول أمد الثورة نفسه، كلها كانت ثورات قصيرة في بضعة أيام كان الأمر ينحسم لصالح الثورة، والتفاوض نفسه كان ميسورًا وسهلاً، لكن ثورة ديسمبر امتدت منذ 19 ديسمبر بدأت بمدينة عطبرة، وقبله بدأت في الدمازين، مروراً بانتهاء السادس من أبريل، أمام القيادة العامة للجيش، أعتقد ما حدث في الاعتصام وفكرة الاعتصام نفسها، والحشود القائمة والقطارات القادمة من عطبرة وكسلا والبصات من دارفور والجزيرة تلاحم الشعب النساء والرجال والأطفال، وكيف صار الاعتصام مزاراً لأهل السودان من كل فج، هذا لم يحدث في تاريخ السودان.

*يقال إنك كنت أحد الداعمين، مالياً لهذه الثورة؟

أنا أحد الناس الداعمين للثورة، فهذا شرف لا أدعيه وتهمة لا أنكرها، لكن أسهمنا مثلنا مثل الآخرين، لستُ الوحيد، أعتقد أن مجموعة خارج السودان، هي الداعم الأكبر لها، بجانب العناصر الوطنية، التي قدمت الكثير للثورة، وأنا قدمتُ دعماً متواضعاً قياساً بالآخرين.

*هنالك إصرار وإلحاح على تمثيل المرأة في المجلس السيادي، مدى صحة ذلك؟

مفترض يكون التمثيل بأكثر من امرأة في المجلس السيادي، بحيث يكون مناصفة 50%، وتمثل بذات القدر الذي يمثل به الرجل، فهي لعبت دوراً محورياً وكبيراً وكما قال عمر الدقير إن الثورة نفسها أنثى، فهي تستحق لما قدمت من تضحيات، ولأول مره في تاريخ السودان تتساقط النساء شهيدات، فداءً للوطن وللثورة، وهناك شهيدات ومفقودات ومغتصبات، أعتقد أنه يجب أن تمثل المرأة بأكثر من واحدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى