شرق السودان.. مخاوف (التهميش) ومطلوبات (الهامش)

لقاء تنويري مهم لقبائل "الهدندوة" بكسلا

كسلا: أماني إيلا

تصاعد بوضوح في الفترة الأخيرة، الحديث عن قضية شرق السودان، الإقليم الذي ظل أهله يشكون التهميش والإقصاء منذ نشوء الدولة السودانية، وحتى في فترة ما قبل الحكم الوطني، وهو تطور أثار كثيراً من المخاوف، خاصة مع الرسائل والتحذيرات التي أطلقها أبناء الإقليم بشفافية حول إمكانية عودة المنطقة للحرب، بل وحتى التفكير في كونفدرالية تعيد صياغة السودان كاملاً، وتجيء كل هذه التطورات متفاعلة ومتسقة مع الحراك الذي حدث بالبلاد منذ بداية ثورة ديسمبر 2018م ووصولًا إلى حالة الفراغ القائمة حالياً بعد سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير، ومجريات التفاوض بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير، والهاجس الذي يتزايد هو كيفية الحفاظ على لحمة ووحدة القبائل والكيانات التي تشكل الإقليم في ظل المخاطر المتزايدة.

مقترحات مشاركة

الحديث عن تهميش الشرق وأقاليم السودان الأخرى لصالح مركزية الدولة، ليس أمراً جديدًا، ولم يعد مستغرباً أن يصدع به قيادات وشباب قبائل ومكونات الشرق، خاصة مع الشعور بأن كلا طرفي العملية السياسية الجارية حالياً “المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير” تجاوزا الإقليم سواء في جانب تمثيله في العملية التفاوضية، أو في مقترحات المشاركة بمستويات السلطة المختلفة، لاسيما وأن الثورة التي شهدها السودان، هدفت في المقام الأول إلى إزالة المظالم والغبن، وإعادة الثقة إلى المواطن السوداني في كل بقعة من أرض البلاد، وإنهاء جدلية المركز والهامش، وبناء سودان جديد على أساس العدالة والمساواة والمواطنة الحقيقية. لكن الطريقة التي تدار بها الأمور حالياً، والطرح الذي صدر عن كلا طرفي التفاوض لم يبشر الهامش بتغيير كبير، فحتى الآن ليس هنالك طرح واضح يخاطب قضايا أقاليم السودان، لاسيما ذات الخصوصية، وعلى وجه خاص شرق السودان الذي تعبر أزمته عن تهميش متعمد أدى إلى تردٍّ اقتصادي واجتماعي وثقافي وحتى على المستوى السياسي، فعانى ما عانى من الجهل والفقر والمرض، ومضت الحكومات المركزية في استغلال ثرواته المهولة غير عابئة بمعاناة المواطنين.

أفكار ومطلوبات

ليس بعيدًا عن كل هذا الحراك والفهم لقضايا الإقليم الذي لازال يعاني، جاء خلال هذه الأسبوع اللقاء التنويري لقبائل نظارة الهدندوة إحدى أكبر قبائل شرق السودان، والذي انعقد يومي 27 و28 يوليو المنصرم بمدينة كسلا حاضرة ولاية كسلا، وبالرغم من أن الملتقى التنويري ناقش وخاطب قضايا تبدو داخلية خاصة بالقبيلة، إلا أنها تعبر في مجملها عن طموحات وأفكار ومطلوبات تحتاجها كل منطقة الشرق وقبائلها، وركز الملتقى على أن يخرج بتوافق حول قضايا مهمة أبرزها التأكيد على وحدة وتماسك القبيلة ووحدة أراضيها والبيت الداخلي لقبائل نظارة الهدندة، وهي قضية مهمة إذا أريد للمنطقة أن تنمو وتزدهر ويمضي مواطنوها نحو البناء والتطور. كما تم التأكيد على قيام المؤتمر العام لقبائل نظارة الهدندوة، وعلى ضوء ذلك تم تكوين لجنة لتحديد زمن قيام المؤتمر والترتيبات اللازمة لانعقاده.

خطوة متقدمة

متابعون لشأن الشرق يرون أن هذه خطوة متقدمة وواعية وغاية في الأهمية، لأن قيام المؤتمر العام يسمح بتجاوز أي إشكاليات أو اختلاف في وجهات النظر، ويقوي التوافق حول القيادة والآليات المتفق عليها، ومن مخرجات اللقاء التنويري كذلك أنه تمت إجازة الورقة التطويرية لإدارة نظارة الهدندوة والتي بموجبها سيتم تكوين مجلس أعلى للنظارة وأمانة عامة وامانات متخصصة ومكاتب فرعية في الولايات والمحليات لمساعدة الناظر في مهامه الاجتماعية والسياسية من جميع فئات قبائل نظارة الهدندوة، والعمل على تحويل النظارة لمؤسسة خدمية اجتماعية ثقافية وتفعيل دورها في كل النواحي الحياتية، ويسمح هذا التطوير بدور أكبر ومؤثر للنظارة في خدمة أهل القبيلة والإقليم والحفاظ على التراث والثقافة والترابط الاجتماعي.

وحدة وتماسك

اللقاء شدد كذلك على الالتزام بما جاء من قرارات اللجنة التي تم تكوينها من شخصيات من مختلف الولايات لمقابلة الشيخ سليمان والتي أنجزت مهمتها بالمقابلة، وبدورها فوضت الأستاذ موسى محمد أحمد لتكملة ما تبقى، والجلوس مع الشيخ سليمان وإبلاغه بما جاء في مخرجات اللقاء التنويري، وأهمها وحدة وتماسك القبيلة وعدم إنشاء أي أجسام جديدة والدعوة للتماسك ووحدة البيت الداخلي للهدندوة، ومعلوم أن قيام كيانات جديدة موازية أو غير متفق عليها، هو واحد من آفات اقاليم السودان، وقد أثرت كثيراً في وحدة النسيج السوداني، خاصة في ظل النظام السابق الذي تزايدت في عهده الصدامات والمشاكل داخل الكيانات والقبائل وحتى داخل “خشم البيت الواحد”.

بقي أن نقول إن أهمية الملتقى الذي شهدته كسلا، والتعويل على مخرجاته في مستقبل الهدندوة وإقليم الشرق عامة، تجسدت في حجم الرعاية والحضور، فقد أقيم برعاية السيد ناظر عموم قبائل الهدندوة، وتشريف قيادات وأعيان ومثقفي وشباب وطلاب القبيلة من ولايات الخرطوم والجزيرة والقضارف والبحر الأحمر ونهر النيل وكسلا، وكان اللقاء بإشراف مباشر من الأستاذ موسى محمد أحمد والذي كان حلقة وصل وحمامة سلام بين كل الأطراف، والشيخ أحمد محمد أحمد بيتاي والأستاذ أبوفاطمة أحمد اونور والباشمهندس محمد طه عثمان وآخرين.

والمأمول أن تقود مثل هذه المبادرات إلى توحيد الكلمة والحفاظ على لحمة قبائل ومكونات وأحزاب وحركات شرق السودان كافة، للخروج بالإقليم من حالة التردي ودخول مرحلة التنمية والبناء بأيادي أبنائه موحدين ومتفقين ومتوافقين، ولكن ذلك يتطلب أيضاً أن ينظر شركاء العملية السياسية بعين الاعتبار إلى ثقل وأثر شرق السودان في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للبلاد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى