قبل أن نُربّي شواربنا

حتى الساعة الواحدة صباحاً كُنَّ في الشارع… قبالة بيتي يتسامرن ويتداولن أبعاد الازمة السودانية وأخبارها والحكايات.. ثلة من البنات السافرات وبينهما (خالة) وبعض الصبية.. خفتُ أن يلاحظ الصبية ضمن الوفد المصاحب للمسامرة امتعاضي أسرعت إلى داخل البيت، وبي حسرة علي (موتي بالسكات).. اجتاحتني عوالم من الحيرة واشتبكت في صدري غابات من الكلام المر الذي جبن لساني أن يتعاطاه.. تمنيتُ لو قلتها وتخلّصت من كل ذلك العبء:

(انتن يا بنات ما عندكن أهل).. وأن (أجوطها) مثل محمد المصطفى بتاع (تباً لك.. وقوم يا عاطل).. لكنني تذكّرت زنقته في المنطقة الصناعية وعينيه الجواحظ فاستعذتُ من الشيطان الرجيم وعدلّت عن الفكرة..

أذكر في حلتنا القديمة – وكانت في قلب الخرطوم- عندما نرى ثوباً في ساعة متأخرة من الليل فإنه مَدعاة للقلق والهمهمة وجلاً (الله يستر).. ذلك أنهن لا يُخرِجهُنَّ من خدورِهن إلا الشديد القوي..

قوى الحرية والتغيير لا تتدخل في مثل هذه الأمور، ولا نستطيع تحميلها مسئولية التحوّل الجاري على مستوى سلوك الشباب وانهيار السلم القيمي، حتى ولو استغلت (الفيمنيزم) منابرها، وحمل لواء المشئمة فيها ذلك الشهير بالـ(البوشي) صاحب الانتقاد الشهير في الميدان لما أسماه

(المجتمع الذكوري).. لم تكُن تلك الظواهر وليدة الحرية والتغيير، نشأت وترعرعت في زمان سابق وعلى حين غفلة وتيه، ومدّت ظلالها والتأثير بينما مؤسساتنا البحثية والاجتماعية في سبات عميق، مكتفية فقط بأخبار النظام العام في جرايد الصباح لتحاول أن تجد مبرراً لتكاسلها عن معرفة أسباب التحولات الجارية في أمتار القماش الساترة للإناث.

نشتاق اليوم أن نرى ذلك التوب السوداني وفي أي ساعة من نهار او ليل، فقد أحالوه إلى التراث ولا تلبسه إلا (الأيقونة) بعد حالة تنكّرية وكامل البهرجة والمكياج في بيت (لطيف).. ظهر التوب واختفى, فهل تحتاج الثورة إلى (الشخلعة) و….

أتذكّر وأشهد للأستاذة فاطمة محمد إبراهيم الشيوعية (رحمها الله) أنها كانت في غاية الاحتشام مثلما كانت جميلة و(شوف عيني الحبيب بي حشمة لابس التوب).

نعرف أن القوانين وأدوات الضبط والرقابة المصنوعة من الدولة والحراسات والعقوبات كل ذلك لا محل له في دائرة البناء الوجداني للمجتمع.. دا شغل مجتمعي يقوم به الناس بأنفسهم ولا يكلونه للمؤسسات الرسمية والنظامية.. وعندما يتنازل المجتمع عنه، فإننا سنكتشف بعد 30 سنة أن هذه الثغرة قد تركت تماماً لتدخل وئام شوقي وتوقظ سباتنا العميق وهي تهاتر واثقة:

(أنا لا أومن بمؤسسة الزواج).

نحن مقبلون على زمان اغبر لا ينفع معه السوط -(من السياط)- ولا يجدي التجاهل ولا جمعيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل هو المجتمع الذي ينتج رفضه كما ينتج مصداته والأدوات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى