منى أبو زيد تكتب: اللص والكلاب

28ديسمبر2022م

“لست إلا جامع قمامة، أجمع المُخلّفات والأوساخ من طريق المعرفة”.. جون لوك..!

 

الفنان الأمريكي الكوميدي فريد آلن يقول إن “التلسكوب يمكنه أن يكبر نجمة ألف مرة، أما الصحفي فيمكنه أن يفعل أفضل من ذلك بكثير”، بينما يرى الكاتب العربي محمد حسن علوان أنّ “آخر العناوين الجميلة في تاريخنا كان قبل اختراع الصحافة”، ورغم التناقض فإنّ كليهما على حق – على الأقل – وفقاً لحال الممارسة الإعلامية في بلاده..!

 

في بلاد الأول الصحافة الاستقصائية هي جوهر العمل الإعلامي، وفي بلاد الأخير – حيث يعتبر التصريح هو الإنجاز السياسي الأكثر شيوعاً والمصدر الشرعي الوحيد للمعلومة – ما يزال الوصول إلى السر السياسي دُون إذن الحاكم، جريمة أمنيّة تعاقب عليها السُّلطات..!

 

في السبعينيات نشرت صحيفة “النيويورك تايمز” وثائق خطيرة من عرين البنتاجون حول حقيقة الدور الأمريكي في فيتنام، وعرضت للشعب حقائق موثقة عن وضع الجيش الأمريكي والأعداد الحقيقية للقتلى هناك.. فأنقذت الصحافة الأمريكية – بذلك – بلادها من دمار الحرب، وسلاحها تحقيق واحد مارست فيه حقها الوطني في الاستقصاء..!

 

ولا غرو.. فحرية الصحافة هي الحارس الشخصي لأيِّ قوة اقتصادية في العالم، والدليل على ذلك أنّ الرؤساء العرب الذين أقامت قيامتهم ثورات الربيع العربي قد واجهوا اتّهامات “ياما” غلفها صمت الصّحافة في بلادهم عن كل شيءٍ عدا ضخامة الإنجازات في عهدهم، عهد الفقر والبطالة وانفجار الثورات..!

 

بينما كان رئيس ألمانيا – أعظم القِوى الاقتصادية وأكبر مصدرٍ للسِّلع وثاني أكبر مُستورد لها في العالم – في ذلك الوقت فضيحة حصوله على قرض مالي مُيسّر من أحد أصدقائه المُستثمرين “قرض وليس منحة”، لكن الفضيحة الأكبر من وجهة نظر الإعلام في بلاده كانت اتصالاً هاتفياً أجراه مع صحيفة محلية لمنع نشر الخبر..!

 

في مُجتمعنا هذا يؤمن الإعلام النزيه بحكمة المتنبي “وأتعب من ناداك من لا تجيبه وأغيظ من عاداك من لا تشاكل”، لكنه لا يستطيع أن يعول عليها في علاقته مع السلطة، لأن ذلك يعني ببساطة أن يفقد مصدره الشرعي الوحيد للحصول على المعلومة..!

 

ولأنّ صحافتنا لا تملك حُرية الاستقصاء – كلب الحراسة الذي يسهر على أمن المجتمع من تجاوزات السُّلطة وفساد المسؤولين – ستظل تُعيد إنتاج التصريح السياسي خبراً.. ثُمّ رأياً بشأنه.. ثُمّ استطلاعاً أو تحقيقاً حول آثاره وتداعياته.. ثُمّ حواراً مع المعسكر السياسي الآخر عن خلفياته ودلالاته.. وهكذا …إلخ.. إلى ان تسقطها ثورة قارئ أو تنقذها يقظة شعب..!

 

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى