شاكر رابح يكتب: التسوية أو اللاهوت العسكري

مفارقات

شاكر رابح

التسوية أو اللاهوت العسكري

من غير المُرجح أن يتم إنجاز التسوية وإتمام عملية التحول السياسي الديمقراطي المدني الذي يحتاجه السودان على المدى القريب، إن لم تقم قوى الثورة بوضع رؤية دستورية وسياسية جديدة بالكلية، كما أنّ الوساطة الدولية لم تدفع باتجاه الحل لجهة أن لديها أجندات استراتيجية واستخباراتية وفقاً لمخطط غربي مرسوم بعناية ودقة مُتناهية لضرب الاستقرار وتقسيم السودان ونهب ثرواته، لذلك ظلّ التغيير بطيئاً وازدادت حمى الصراعات والانقسامات.

إنجاز التسوية تتم عبر مُعالجة الصراعات بين قوى الحرية والتغيير في المقام الأول ومراجعة منفستو التغيير، على الرغم من مرور ثلاث سنوات على سقوط نظام البشير لا يزال التوتر والخلاف يهدّدان الاستقرار الهش في السودان، فقد فشلت قوى الثورة في تطوير نظام الحكم عبر تطبيق الوثيقة الدستورية ٢٠١٩ التي نصّت على تكوين مؤسسات الانتقالات وفق آجال محددة. 

للحيلولة دون حدوث المزيد من التشرذم، يحتاج السودان الى ميثاق سياسي يقوم على المواطنة وليس الهوية الجغرافية المناطقية أو القبلية، والأخيرة ظلّت متحكمة في الممارسة السياسية، إذ هيمنت قيادات الإدارة الأهلية على النخب في الولايات وأصبحت جزءا من الصراع الدائر بين النخب السياسية المتكالبة على السلطة، بينما ازداد الانقسام بين المكونات المختلفة عمقاً، لذلك مُعالجة مشاعر الكراهية والعزل والتشفي والغُبن أمرٌ بالغ الأهمية لتحقيق المصالحة عبر تسوية شاملة، تحتاج قوى الحرية والتغيير الى معالجة الخلل البنيوي وإيقاف عملية التصنيف ومنع منح صكوك الوطنية لمن يخالفها في الرأي وإيقاف الإقصاء.

والمتابع للحراك السياسي هذه الأيام، قد قامت قوى الوفاق الوطني كتيار عريض يعبر عن الثورة المجيدة بتوقيع إعلان سياسي متميز ويمكن أن يكون أساساً متيناً لتجاوز محنة الثورة، من أهم ما ورد في الإعلان البند ١ الفقرة ٥ (التأكيد على الالتزام بوثيقة الحقوق والحريات الواردة في دستور ٢٠٠٥ والواردة في الوثيقة الدستورية ٢٠١٩ ووفقاً لما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان)، أما البند ٢ الذي تحدث عن علاقة المدنيين والعسكريين خلال الفترة الانتقالية:

١- التأكيد على علاقة متزنة بين المدنيين والعسكريين من أجل الاستقرار السياسي ونجاح الفترة الانتقالية وتنفيذ الترتيبات الأمنية وإصلاح وتطوير القطاع الأمني وإدارة القطاع الأمني.

أما فيما يخص هياكل السلطة ورد في البند ٣ الفقرة ١ أن يكون نظام الحكم فيدراليا لا تماثلياً، كذلك التوافق على تشكيل جسم سيادي مدني يمثل رأس الدولة وتكوين المحكمة الدستورية واختيار رئيس وزراء مستقل وكفء ومؤمن بأهداف الثورة، واشترط الإعلان هنا أن تتم عملية الاختيار عبر آلية وطنية ومعايير متوافق عليها من جميع الأطراف، أما فيما يخص عملية السلام البند ٦ أكد على تنفيذ اتفاق السلام الموقع في أكتوبر ٢٠٢٠ وتوفير الدعم اللازم للوفاء باستحقاقاته، وورد ايضاً في الفقرة ٤ من البند ٦ إصلاح وتطوير وتحديث المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية وبناء جيش وطني ومهني مُوحّد بعقيدة عسكرية جديدة واحدة يضم القوات المسلحة وقوات الدعم السريع وقوات حركات الكفاح وتحويلها لقوات نظامية موحدة تخدم المصالح العليا للدولة السودانية، في البند ٩ التحول الديمقراطي والانتخابات والدستور الدائم تحدث عن ضرورة تهيئة المناخ للانتخابات واستكمال السجل المدني وإجراء الإحصاء السكاني وإصدار قانون تسجيل الأحزاب وإصدار قانون الانتخابات وتكوين مفوضية الانتخابات والتأكيد على العمل لصناعة دستور دائم للبلاد يقوم على قيم الحرية والسلام والعدالة ويعبر عن التنوع الثقافي للمجتمع ويرعى القيم الوطنية.

في حالة تعنُّت قحت المجلس المركزي ورفضها لهذا الميثاق واستمرار حالة الصراع بين المكونات، فإن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو الانقلاب العسكري وظهور سلطة عسكرية قابضة وديكتاتورية تقوم على أساس “اللاهوت العسكري”.

في تقديري، إنّ اتّساع الهوة بين قحت بمسمياتها المختلفة ناجمة عن تدخلات إقليمية سافرة انعكست على التحولات السياسية وهذه التدخلات تهدف إلى تفتيت البلاد، لكي تتم مُعالجة الخلل السياسي السوداني، فإن الجميع بحاجة الى إجراء مُراجعة جوهريّة للمسار السياسي الحالي، ويتعيّن أن يذهب الاتجاه الى أن يكون الجهاز التنفيذي أقل نخبويةً وبعيداً عن المركزية ومعبراً عن رأي الشارع ومشاكله المتمثلة في الصعوبات الحياتية المعيشية.

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل،،،

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى