التحالفات المُنتظَرة

لم تتشكّل معالم الساحة السياسية السودانية بعد، رغم أن قيادات أحزابنا يبغضون الانتخابات، وتهفو قلوبهم وجيوبهم للسلطة الانتقالية لحصد ثمارها المجانية. وإذا كانت قوى الحرية والتغيير قد نجحت في إزاحة النظام السابق، وحشدت آلاف الشباب خلفها وقادتهم حتى سقط النظام، ويضم تحالف قوى الحرية والتغيير اليسار بأحزابه الثلاثة الشيوعي كبيرهم سناً والمؤتمر السوداني الذي يمثل ثمرة لتشظيات الشيوعي، والبعث بأجنحته المنقسمة مصلحياً وتمويلياً بين بغداد ودمشق، وتضم هذه الكتلة من أحزاب الوسط الطائفي حزب الامة ويسار الحزب الاتحادي الديمقراطي، وهذا التحالف يمكن تطويره والانتقال من تحالف تكتيكي إلى تحالف إستراتيجي إذا نجح في احتواء بعض التناقضات الداخلية ما بين توجهات اليسار الليبرالي والطائفية اليسارية. وفرص هذا التحالف في الفوز بالانتخابات القادمة رهين بتطوير أداء الحكومة الانتقالية، وتحسين مستوى الخدمات التي تقدمها للشعب مقابل هذا التحالف يلوح في الأفق بروز ونشأة تحالف آخر يمثل الإسلاميين الوسطيين والاتحاديين ذوي التوجه الديني الوسط ممثلين في طائفة الختمية. ويضم هذا التحالف زعماء الإدارة الأهلية والأحزاب المنشطرة من أصولها، والتكوينات الجهوية، وبعض الحركات المسلحة والطرق الصوفية التي ارتبطت بالدولة الدينية، إضافة لقطاع عريض من الرأسمالية الوسطية بعد أن ذهبت بعض الرأسمالية الكبيرة باتجاه اليسار، مثل أسامة داؤود الذي سخر كل إمكانياته لإسقاط النظام السابق، ووضع رهانه الآن على قوى الحرية والتغيير، وربما اعتمدت عليه في تمويلها في الانتخابات، وهذا التحالف الوسطي له علاقات إقليمية ودولية جيدة لكن تتعدد نقاط ضعفه.

أما التحالف الثالث في الساحة السياسية، فيتمثل في تحالف الإسلام السلفي وداعش، والحركات الطالبانية. وقد بدات ملامح هذا التيار في البروز من خلال تحالف عبد الحي يوسف ومجموعة السديرة، ومحمد عبد الكريم، وقد تنضم إليهم جماعة أنصار السنه المحمدية وجماعة الإخوان المسلمين، وهذا التيار سيجرد الإسلاميين الوطنيين من شعارات مثل الإسلام هو الحل، مع أن الاستقطاب الإيدلوجي نفسه قد انحسر في الساحة وما عادت بضاعته تجد ذلك الرواج القديم، لكن هذا التيار محارب إقليمياً ودولياً ولن تسمح بلدان الخليج بنموه وتطوره، وربما تحول أموالها التي ينتظر أن تتدفق على أتباعها دون أن يعزز وجوده في البرلمان القادم، وإذا نجحت القوى السياسية في التكتل على أساس البرامج، وتم تأسيس قاعدة تراضٍ عام ومصالحة وطنية بعد انقشاع مرحلة الصراع العدمي الحالية، فإن التجربة الديمقراطية القادمة ربما تنجح في التغلب على أمراض الديمقراطية التي أودت بها المهالك، خاصة إذا نجحت عبقرية الجماعات السياسية الثلاث في تحصين الديمقراطية من أطماع العسكر ونزوعهم الفطري نحو الانقلابات، واحتواء المؤسسة العسكرية لن يتأتى إلا بإيجاد صيغة تجعل العسكريين مشاركين في الحكومات المنتخبة، وأن تصبح للموسسة العسكرية مصلحة حقيقية في استدامة النظام الديمقراطي، وليس التربص به وانتظار وتحيّن الفرص للانقضاض عليه،

إذا كانت الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا قد نجحت من خلال حزبين فقط ، فالسودان اليوم تتجاوز عدد أحزابه الـ١٠٠ حزب سياسي أغلبها أحزاب بلا دور وبلا صحف وعناوين، ولا حتى مواقع على الشبكة العنكبوتية، فكيف لها أن تعيش وتنافس في الصراع الانتخابي؟

ربما يسأل البعض عن مصير النخبة العسكرية التي قادت التغيير وجعلت شعارات إسقاط النظام واقعاً، وأي مستقبل ينتظر اعضاء المجلس الحاليين وبعضهم لا يزالون في عمر الزهور، فإن دعوة الإمام الصادق المهدي لكل من الفريق البرهان، ونائبه الفريق محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي للانضمام لحزب الأمة وسعي الحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة الميرغني نحو الفريق البرهان والحديث الإيجابي عنه، هي مقدمات لما هو قادم، ويكشف النزوع لاستقطاب هؤلاء القادة عن سعي الصادق المهدي والميرغني للتقوّي في المستقبل بهؤلاء إن هم رغبوا في ممارسة السياسة بعد نهاية الفترة الانتقالية. وبالطبع فالإسلاميون الوطنيون لن ينسوا فضل حميدتي والبرهان في حماية الساحة من الانزلاق للفوضى، ولكن ليس منظوراً توجههما نحو هذا التيار الوسطي.

وتبقى كل الاحتمالات قائمة في تشكيل الساحة السياسية في مقبل الأيام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى