(الشيوعي) و(الثورية).. رفض (مُغلظ) للاتفاق

الخرطوم: صلاح مختار

المشهد ما بين الإعلان الاول للاتفاق بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، وما بين التوقيع على الإعلان السياسي أمس الأول، لم يتغير كثيراً، فقط تغيرت الأسماء، ولكن المواقف ظلت كما هي لم تتغير، وسط توقعات بتكرار ذات المشهد في مقبل الأيام عند الإعلان عن اتفاق حول الإعلان الدستوري الذي سيمهد الطريق لإعلان الحكومة الجديدة.

الحال كما هو

فور التوقيع على الإعلان السياسي سارعت بعض الحركات المسلحة ممثلة في الجبهة الثورية وبعض قوى الإجماع الوطني يتقدمها الحزب الشيوعي من نفض يدها من الاتفاق السياسي الموقع بين المجلس العسكري وقوى التغيير كما حدث في المرة الأولى عندما تم الاتفاق عليه… هذا الرفض المفاجئ يشير بجلاء إلى خلافات كبيرة داخل مكون قوى التغيير مما ينذر بتعثر الوصول إلى التسوية السياسية، رغم أن القيادي بقوى الحرية والتغيير أحمد ربيع اعتبر الاتفاق مبشراً، وقال: اتفقنا من خلاله على الخطوط العريضة في الوثيقة الدستورية. واعتبر الاتفاق سياسياً موقعاً بالأحرف الأولى، وأكد أن كل الخلافات حول الوثيقة الدستورية والصلاحيات التي تعني المجلس السيادي ستتم مناقشتها في الوثيقة الدستورية وهي بالطبع نقاط ستكون مُفصّلة، وستُناقش داخل الوثيقة الدستورية.

في المقابل يرى القيادي بالحزب الشيوعي، علي سعيد أن الاتفاق السياسي مليء بالعيوب، مضيفاً أنهم فوجئوا به وأن الموقعين عليه لا يملكون تفويضاً للتوقيع، مشيراً إلى أن ما قُدم من أوراق للتوقيع من قبل المجلس العسكري كان مخالفاً لكل الاتفاق.

تكرار المشهد

نفس تلك القوى سبق أن أعلنت موقفها من الاتفاق الأول حين جاهرت برفضه، وتقدمت قوى الرفض حركة عبد الواحد والحركة الشعبية جناح مالك عقار، والحركة الوطنية، إضافة إلى مكونات الجبهة الثورية.

بعض المراقبين استرجع شريط ذاك المشهد، بذات الشريط الذي تم في ثورة أبريل 1986م، حين رفضت الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق وواصلت نشاطها العسكري بالغابة، وهو سيناريو يجعل البعض يتخوف من تكرار ذات السيناريو.

خيانة للثورة

حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور وصفت الاتفاق السياسي بين المجلس العسكري وقوى التغيير بالخيانة للثورة ودماء الشهداء الذين وهبوا أرواحهم من أجل الحرية والكرامة والتغيير الشامل والحكم المدني الكامل وبناء دولة المواطنة المتساوية، وأعلنت عن رفضها ذلك الاتفاق، وحذّرت من تهافُت هذه القوى التي ظلت تلهث خلف التسوية مع النظام البائد، وأدانت الحركة من خلال بيان ما وصفته باختطاف الثورة السلمية لإعادة إنتاج الأنظمة الصفوية التي ظلت تحكم السودان منذ 1956.

وأكدت الحركة عبر بيانها، استمرارها في المقاومة لكل ما ينتج عن هذا الاتفاق، وتعتبره امتدادًا للنظام البائد, ودعت لضرورة مواصلة المقاومة وعدم اليأس وتحقيق كامل الانتصار وبناء دولة المواطنة المتساوية.

القضية الأبرز

رغم اجتماعات قوى التغيير والجبهة الثورية التي تمت في أديس أبابا إلا أن الأخيرة عدّت الإعلان السياسي قاصراً لم يُعالج قضايا الثورة، مبدية تحفظات كبيرة على شكل الاتفاق ومضمونه، مبينة أن تجربة مفاوضي قوى التغيير متواضعة، الأمر الذي جعلهم يتجاهلون أطرافاً وموضوعات مهمة، وقال بيان الجبهة الثورية إنهم فوجئوا بينما كانوا يتفاوضون مع قوى الحرية بأديس أبابا وتوصلوا إلى وثيقة ضافية، وإن كل تلك المجهودات ضُرب بها عرض الحائط.

وقال البيان إن الجبهة الثورية ليست طرفاً في الإعلان السياسي الذي وُقّع بالأحرف الأولى ولن توافق عليه بشكله الراهن.

ليس بجديد

رفض الاتفاق من بعض القوى السياسية أمر ليس بالجديد كما ينظر له المحلل والخبير الأمني د. حسين كرشوم، الذي أضاف في حديثه لـ(الصيحة) أن الجبهة الثورية ابتداءً رفضت الاتفاق، وبررت ذلك بأن الفريق المفاوض للاتفاق لم يمثل أحداً منهم، ولذلك دعا للانخراط في مفاوضات مباشرة بمفرده مع المجلس العسكري بمعزل عن قوى التغيير.

ورغم أن قوى التغيير حاولت تليين موقف الثورية عبر الدخول معها في مفاوضات بأديس، إلا أنها فشلت في الوصول معها إلى اتفاق, وبالتالي ظل الخلاف ماثلاً بين الطرفين، وهو ما دفع لرفض التوقيع الحالي.

كاملة الدسم

وقال كرشوم، إن الساحة السياسية تفاجأت ببيان مُتعجّل للحزب الشيوعي، نقل فيه رؤيته بشأن الاتفاق، بعدما شعر الحزب بأن الاتفاق الذي أبرم مع العسكري لا يلبي طموحاته، بأن تكون حكومة مدنية كاملة الدسم لا اشمل أي مظهر عسكري, ورغم ذلك، قلل كرشوم من حجم الخلافات، ورأى إمكانية تجاوزها, لجهة أن الاتفاق خلق جواً إيجابياً، وأنه يجمع ويُهدّئ الأجواء ويجمع الأحزاب على ما اختلف فيه.

بينما يرى الخبير السياسي والاستراتيجي البروفسير علي عيسى عبد الرحمن، أن الحركات المسلحة أعلنت انسحابها من قوى التغيير قبل التوقيع على الاتفاق الإطاري بسبب ما أسمته تهميشاً من قوى التغيير للحركات المسلحة، وأوضح علي في حديثه لـ(الصيحة) أن بُعد الحركات المسلحة عن الداخل ليس معناه أنها بعيدة عن السلام، مشيراً إلى تواصل الحركات المسلحة مع المجلس العسكري الانتقالي مثل حركة مناوي، وأن ذلك يصب في خدمة السلام، وفي دمج حملة السلاح في العملية السياسية والسلمية اللاحقة، وبالتالي هي ليست ببعيدة عن العملية السياسية، مشيراً إلى إرسال المجلس العسكري تطمينات عبر نائب رئيس المجلس الفريق أول محمد حمدان دقلو بأن الاتفاق شامل لكل المكونات السياسية وحملة السلاح في الخارج، وبالتالي توقع دمجهم في عملية سياسية تتم بالخارج عبر المحاصصة الموجودة الآن، أو عبر اتفاق يشملهم مع حملة السلاح باعتبارهم مكوناً من المكونات الداخلية، ولن يكونوا خارج العملية السياسية.

إنتاج الأزمة

وبدا المحلل العسكري الفريق ركن محمد بشير سليمان في حديثه لـ(الصيحة) غير متفائل بالاتفاق، متوقعاً أن تنتج من الاتفاق مشاكل وعقبات، مشيراً إلى التقاطعات الكبيرة بين المكونات السياسية، مرجحاً أن تعلن الحركات المسلحة رفضها للاتفاق، لأنها لم تجد نفسها أو ذاتها فيه وهي تحسب نفسها أنها أصيلة في الصراع من أجل تغيير النظام من قوى الحرية والتغيير، وقبل الثورة وقال: واضح أن أهدافها ومطلوباتها التي قاتلوا من أجلها لم تضمن في مصفوفة الاتفاق.

ثنائية الاتفاق

وأوضح سليمان أن ثنائية الاتفاق تعد مؤشر خوف لدى تلك الحركات باعتبار الثنائية إقصائية، ولن تحل الأزمة التي ستظل في موقعها إن لم تتدهور نتيجة لهذا للإقصاء الذي أضحى أس مشاكل السياسية السودانية، وتوقع سليمان أن يعالج الاتفاق في حال التوافق عليه كثيراً من القضايا التي قعدت بالسودان كثيراً.

وربط بشير رفض الحركات المسلحة للاتفاق بالتأثيرات الخارجية التي قال إنها أضحت أكثر وضوحاً في الآونة الأخيرة، محذراً من الاعتماد على الخارج الذي لن ينظر لمصلحة السودان وإنما ينظر لمصلحته فقط .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى