صلاح الدين محمد صالح يكتب:  مطبخ التسوية

8 نوفمبر 2022م

 

دائماً لا أحبذ الحديث عن المواضيع السياسية، لعلمي ويقيني بأن الحديث عن السياسة يحرق الأعصاب ولا طائل منه؛ ولكن جيناتي السودانية تغلب علي أحياناً فأجد نفسي قد تكلمت في السياسة وولجت فيها ولوجاً غير وامق؛ ولأن حديث الرأي العام حالياً يدور عن التسوية وما ادراك ما التسوية، كان لابد أن أبيِّن رأيي فيها؛ فالتسوية من وجهة نظري فيها إضعاف كبير للحركة الإسلامية باعتبار أن مطبخ التسوية تم في الإمارات العربية المتحدة؛ وإن  الإسلاميين سيواجهون من الإضعاف والتحجيم بصورة أكبر مما كانت عليه بعد سقوط البشير؛ وان مقولة (أي كوز ندوسو دوس) ربما لا تسمع كثيرا بعد التسوية إلا أن المقولة ستطبق فعلياً؛ فإن كان هناك عقلاء في الإسلاميين – واحسب أن جلهم من العقلاء – فليوحدوا صفوفهم بغض النظر عن مؤتمر وطني وشعبي وغيره؛ ولا اقول هذا من فراغ ولكن اعتماد التسوية لوثيقة المحامين يدل على هذا؛ هذا جانب، اما جانب إخراج القوات المسلحة من التفاوض ففيه أيضا إضعاف للإسلاميين باعتبار أن القوات المسلحة خلفيتها إسلامية وكبار القادة وحتى صغارهم ذوو ميول  إسلامية؛ ولا أعني بالإسلامي هنا التنظيم الحركي أو الحزبي وإنما الإسلام العادي؛ وهذه الميول تصب في مصلحة الإسلاميين باعتبار أن كل صاحب ميول إسلامية معتدلة يرفض علمانية الدولة .. الخ؛ أيضا أرى من خلال التسريبات (المقصودة) ان هناك فك ارتباط سيحدث ما بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة؛ باعتبار ان قوات الدعم السريع تتبع لرئيس الوزراء؛ وان يكون رئيس مجلس السيادة مدنيا، وتبعية القوات المسلحة او الجيش له؛ ربما صحت هذه الأخبار وربما لم تصح؛ فإن صحت فإني أرى ان التسوية في حاجة لمزيد من التعديل واستيعاب جميع المكونات السياسية وعدم الإقصاء؛ وان لم تصح فأنعم به من خبر؛ لا أنكر وجود تشاكس ومرارات بين مكونات الإسلاميين مع بعضهم البعض ومع بقية الأحزاب الأخرى؛ إلا أن الإقصاء وشفاء الغليل لا يزيد الطرف الآخر إلا حقداً وتربُّصاً؛ فإن قابلنا الإساءة بالإساءة والكراهية بالكراهية والمرارات بمثلها، وردينا الصاع بصاعين كما قيل، فلا ينطبق فينا إلا المثل السوداني الأصيل والذي دائما ما كان يردده الراحل الإمام الصادق المهدي (من فش غبينتو خرب مدينتو)؛ نيلسون مانديلا عندما وصل إلى سدة الحكم لم يشفِ غليله من اعدائه بعدما تذوق من مرارة الظلم والسجن ما الله به عليم؛ ولكنه صفح عن خصومه ونتاج ذلك ما ترونه من تقدم لجنوب أفريقيا؛ وكذلك فعل المهاتما غاندي في الهند؛ ومن قبلهم سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم في فتح مكة ومقولة (اذهبوا فأنتم الطلقاء) وان تحدث بعض العلماء الاجلاء في صحة الحديث.

خلاصة الأمر لن يكون هناك استقرار سياسي في الدولة وتماسك اجتماعي بدون تناسي المرارات وتقبل بعضنا البعض؛ وحتى يصافح القحاتي الكوز في الطرقات، فبعد هذا فقط نستطيع أن نقول عبرنا وانتصرنا؛ وما ذلك على الله بعزيز.

ودمتم سالمين،

 

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى