د. كمال الشريف يكتب : (فرفرة) الجنيه وأردول

7 نوفمبر 2022م

تقول قصة صغيرة، اعطينا شخصا مليون دولار نقدا، واخذناه لجزيرة معزولة يعيش فيها مع فلوسه، يأكل ويشرب ويتعالج ويتعلم ويتحرك ويعيش كل حياته منها، وكل السلع غير متوفرة، معه مال فقط.

إذن لا يستطيع أن يعيش، إذن الاقتصاد أصبح سلعة بمختلف مسمياتها للعيش في الدنيا.

والعمود الفقري للاقتصاد بنظريته القديمة العرض والطلب، الندرة والوفرة. الندرة هي التي جعلت من الذهب غالياً، والوفرة هي التي جعلت الصفيح رخيصاً، هي نفس نظرية الجنيه، فإذا كثر عرض القروش إن كان بطباعتها أو تداول أرقامها، تجعلها أرخص وأقل قيمة ويأتي تداولها بكثرة من شراء الناتج المحلي وهو الأقل والأضعف، ولا يوجد فيه تجديد أو توفير ويتم على إثرها تداول العملة في دائرة ناتج محدد لإيقاف الناتج المحلي.

وهنا يأتي التضخم ويأتي الركود الاقتصادي.. والركود الاقتصادي بعبارات بسيطة هو انكماش حجم الاقتصاد اي انخفاض كمية السلع والخدمات المنتجة بواسطة اقتصاد دولة ما، ويقاس حجم الاقتصاد بالناتج المحلي الإجمالي، فإذا كان معدل نمو الـGDP سالباً فهذا يعني أن الاقتصاد يمر بحالة ركود Recession، ويشتهر عند الاقتصاديين ما يعرف بالركود الفنيTechnical Recession، وهو انخفاض الـ GDP  لربعين على التوالي. هذا هو المقياس الأساسي للركود او الكساد الاقتصادي، أحياناً يكون هناك انخفاض في الناتج المحلي، لكن لا يوجد كساد، لذلك يتم استخدام مؤشرات أخرى ثانوية لتثبيت وتأكيد حالة الكساد كانخفاض مؤشر إنفاق الأسر.

وهنا تأتي مجموعة من الناس مثل أردول وبعض من الكُتّاب وهم يؤشرون  مهللين أن التضخم قد انخفض بنسبة كذا، ويأتيك أهل التجارة الخارجية مهللين بأرقام غير صحيحة، وكأنما هؤلاء المهللون لا يعرفون أن الأرقام التي تكتب هنا من خلال تهليلهم للتجارة الخارجية غير تلك، حيث تصدر كل دولة يتم التصدير إليها من السودان تضع الأرقام بمؤشراتها الحقيقية مثل الصمغ مع فرنسا. وهنا تراجع الصادر من الذهب الذي كان في ٢٠٢١ من بدايته قد وصلت ٢٦/٣ طن بمبلغ وصل ١/٥٢٤ مليار دولار وتجده في الربع الاول من ٢٠٢٢ بلغ ٥٦٣ مليون دولار.

وتأتيك كل الأرقام أعلاه خلال فترة شهدت توحيد سعر الصرف في عامها الاول، وهذا أدى لضبط قيمة الجنيه قبل ان تفتح عطاءات لطباعة أكثر من ٨٠٠ تريليون ورقة فئة الألف جنيه جديدة تتداول في الأسواق، وتزيد من حجم القروش المتداولة التي تعمل في دائرة انتاج محلي ضيقة لناتج ضئيل، ويزيد عرض القروش وتنخفض قيمتها. وخارجياً قد يزيد الوارد وينخفض الصادر مع زيادة نسب التحصيل الجمركي للصادر والوارد من قِبل وزارة المالية، ومع وقف التعاون الدولي الاقتصادي والتجاري والمالي أيضاً مع السودان مع ازماتها السياسية المصنوعة تأتي فواتير لا يمكن سدادها من أجل ترتيبات السلام وترتيبات إقامة استثمار اجنبي أو حتى محلي امن بسبب تهديدات متبادلة ما بين الفصائل العسكرية المسلحة التي يعرف عنها دوماً انها تجد تشريعات مختلفة للحصول على اموال بكل الطرق الرسمية وغير الرسمية حتى تمول جيوشها التي لا تخضع لموازنة دولة أو اقتصاد دولة، عليه يكون تخريب الاقتصاد من شراكتها شيئا غير مشين بالنسبة لها وشيئا مدمرا لدولة منظمة في حركتها العامة.

إن مسألة ان يدلي العسكريون او السياسيون النازحون الى دواوينها  بتصريحات تخص الاقتصاد، قد تكون مصيبة تدمر مصداقية تعامل الخارج والداخل مع حركة الاقتصاد السوداني، وهذا هو منهج خطير قد يدمر الاقتصاد كما دمر السياسة، ليعود السودان بلدا يقوم اقتصاده على نظريات حرب وإدارة فترة انتقالية كما يسمونها يُخضع لتصريحات مسؤولين انتقاليين من أجل البقاء في السلطة من دون رؤية أو خارطة اقتصادية أو سياسية أو ربع استراتيجية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى