الرشيد محمد عمر – كاتب صحفي يكتب :

4 نوفمبر 2022م

القارئ الكريم مما لا جدال حوله ولا مراء فيه ولا مندوحة عنه القول إن الأوضاع السائدة الآن في الساحة لا تبشر أبداً بخير، فالوطن المُثقل بالآلام، المُثخن بالجراح في مفترق الطرق أو بالأحرى على شفير الهاوية إن لم يكن بالفعل فيها، فهذا التردي المُريع الماثل للعيان في أوجه الحياة السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية ينذر حتماً بكارثة لا يعلم مداها إلا الله.

فمُعاناة الخلق في هذا الوطن المنكوب بأبنائه تتفاقم مع بزوغ كل فجر جديد، وليس هنالك بصيص ضوء في آخر هذا النفق الشديد الظلمة الحالك العتمة. فالحياة أصبحت مُملة رتيبة لا تطاق وسط هذا الخضم الهادر من المُشكلات التي تُؤرِّق البلاد والعباد على حد سواء وتقض مضاجع الناس، البلاد الآن أصبحت طاردةً، فشج الفقر المُدقع والجوع يُهدِّدان حياة الملايين من البشر ولا حياة لمن تنادي وسط هذا الجو المحموم المُفعّم والمُترع بالتشاكس والتناكُف بين الساسة والذي يقول واقع الحال إنهم في وادٍ والشعب في وادٍ آخر وادي الضياع والمعاناة المريرة والتي أعيت من يداويها.

إن نظرات السياسيين الطائشة لكل ما يتعلّق بشأن الوطن لن تزيد الوضع الراهن إلّا سوءاً على ما عليه من سوء، فالمكابرة والاستعلاء وتضخيم الذات واقصاء الآخر لم ولن تجدى فتيلاً ولا طائل منها إلا الخراب وضياع وطن بحجم قارة. ولن يجني المواطن المغلوب على أمره والقابض على جمر المغبة والمعاناة إلا المزيد من التيه والضياع، ناهيك عن هذا كله رهن القرار السياسي للأجنبي وتدخله السافر في شؤون البلاد وفرض الوصايا على الشعب، فهي أمور لا ينبغي السكوت عنها بأي حالٍ، بل يجب إعادة النظر ملياً فيها، فالذي لا يملك إرادته وقراره بداهةً لا يملك حتى قوته الذي يكفيه الأولاد. فهو رهن إشارة الأجنبي يوجهه، حيث وكيف يشاء وان كان ذلك في ظاهرة الرحمة فإن من قبله العذاب، فالأجنبي مطامعه الخاصة في ما تزخرف به البلاد من موارد وثروات ومعادن نفيسة.

إن حكم بلد كالسودان ليس بالأمر اليسير، هذا البلد الذي تتباين فيه الأعراق والأعراف والديانات وتتداخل فيه الثقافات والموروثات يحتاج حكمه إلى عقول فذّة حكيمة وبصائر نافذة ووطنية صادقة لا تعرف التحزُّب والتشرذم، فنحن ما زلنا في وطن يتحكّم فيه الثالوث البغيض القبلية والجهوية والعنصرية، وذلك هو الذي أوصلنا إلى هذا الوضع المزري الذي نعيشه الآن والذي لن تسلم منه الأجيال القادمة، فالآباء يزرعون والأبناء يحصدون الحصرم. وكل هذا من صنع الاستعمار الذي ما بارح أرضا أو وطنا إلا وخلّف من ورائه الفتن والنعرات البغيضة.

ومنذ استقلال السودان وإلى يومنا هذا لم تفلح أي حكومة من الحكومات في رتق النسيج الاجتماعي والتعايش السلمي بين القبائل، ولكن في السنوات الأخيرة اتسع الخرق على الراتق واشتعلت نيران القبلية والعنصرية بضراوة مستصغر الشرر فهذا القتل والتشريد والدمار لم يتوقّف وفي غياب صوت العقل يعلو صوت الرصاص الذي لا يفرق بين رجل وامرأة أو كهل أو طفل، وليس ببعيد كردفان مما زال نزيف الدم يسيل مدراراً في هذه المناطق وغيرها وكأني بالمصطفى صلى الله عليه وسلم يتنبأ وهو يعظ الناس في حجة الوداع عند جبل عرفات وهو يقول لهم (لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضُكم رقاب بعضٍ)، وهذا ما يحدث الآن في السودان.

لقد تابعنا وشاهدنا في الآونة الأخيرة أن هنالك بعض رجالات الدين من السلفيين وغيرهم من دعاة الإصلاح في المجتمع يبذلون جهودا طيبة ومساع حميدة من أجل إصلاح ذا البين ورأب الصدع ولم شمل الغرقان للوصول بالبلاد إلى بر الأمان وكلها بوادر حسنة يشكرون عليها، ولكن في واقع الأمر أنّ هذه الجماعات والبيوتات الدينية تعاني من انقسامات حادّة شأنها شأن الكتل السياسية، وهناك خلافاتٌ كثيرة تقع بسبب أمر الخلافة مثلاً ومن هو أخف بها وهذه الخصومات تصل أحياناً حدّ الهجر والقطيعة وتستمر أحياناً حتى الممات بين الإخوة الأشقاء والأعمام وأبناء العمومة، فالواجب من العقلاء الإصلاح ما استطاعوا حتى تكون هنالك القدوة الصالحة فكيف ينبغي لمن يدعي الولاية والصلاح أن يفعل ذلك؟ والرسول صلى الله عليه وسلم هو قدوتنا ينهي ويحذر بشدة من قطيعة الرحم ويقول عليه الصلاة والسلام: (لا يدخل الجنة قاطع رحم)، كما أن هنالك مفاهيم يجب أن تصحح في نهج بعض الجماعات فالصلاح ليس متاعاً من متاع الدنيا يورث الصلاح من الله، (رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، ذِي طِمْرَيْنِ ، تَنْبُو عنه أَعْيُنُ الناسِ) عند الله أفضل وأكرم منزلة، ورب زنديق في عباء ورب رجل صالح في خفاء والله وحده جل جلاله هو أعلم بمن يضع سره فيه من عباده سبحانه وتعالى وعلى بعض المشايخ اتباع منهج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في التواضع للعباد وهو القائل صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر). نعم لاحترام المشايخ والتأدب معهم لما لهم من شرف المعرفة والعلم. ولكن لا قداسة لأحد في الإسلام ولعلنا نذكر قصة ذلك الأعرابي الذي هاله ما رآه من الهيبة وجلال النبوة على محيا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سرت في بدنه رعشة والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول له في أدب جم (هوّن عليك فإني لست بملك ، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد)، هذا خلق النبي صلى الله عليه وسلم وإن كنا نحبه علينا اتباع هديه.

الآن وبعد كل ما آلت إليه البلاد وما آل إليه حال العباد على دولة، أن تدعو إلى مؤتمر جامع يشمل كل مكونات المجتمع السوداني وأطيافه وعلى الجميع تناسي الخلافات ونبذ الفرقة، فلا خاسر إلا الوطن ومن داخل هذا المؤتمر الذي تكون مخرجاته ملزمة للجميع يتم إعلان حكومة كفاءات غير حزبية لمدة عام تُجرى بعده انتخابات حرة ونزيهة.

هذا وبالله التوفيق وعليه قصد السبيل، فما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى