عبد الرحيم أبو ذكرى.. نهاية العالم خلف النافذة

 

(1)

توفي د. عبد الرحيم أحمد عبد الرحيم أبو ذكرى بتاريخ 16 أكتوبر 1989م في صباح لم تستبن ملامحه بعد إذ ألقى بنفسه من شرفة شقته التابعة لأكاديمية العلوم السوفيتية والتي كانت تطل على شارع استروفياتفا من الطابق الثالث عشر وكان سقوطه وارتطام جسده عنيفاً بين الرصيف والأعشاب على جانب الطريق. وبعد أن اكتملت إجراءات عودة جثمانه للوطن كان في تشييعه عدد كبير من الناس (أهل، أقارب، أصدقاء).

(2)

تعرض الأستاذ كمال الجزولي في كتابه (أبو ذكرى نهاية العالم خلف النافذة) لتدهور حالة أبو ذكرى النفسية في آخر أيامه، مستعينًا بشهادة عدد من أصدقائه ومشرفه في رسالة الدكتوراه البروفيسور شافال. كما عقد الجزولي مقارنة بين أبو ذكرى والأديب الروسي (مايكوفسكي) الذي كان لكتاباته أثر كبير في أغلب أبناء الجيل من مبدعي اليسار الذين درسوا بموسكو.

(3)

نستلهم من كمال الجزوالى عن انتحار المرحوم الشاعر عبد الرحيم أبو ذكرى الذي انقذف من مبنى عال بموسكو .. ولم يمنع حرج المسألة المعلوم الجزولي من الخوض في موت أبى ذكرى من حالق بكلمة مكتوبة بماء الحساسية وهي الكلمة التي قال كمال إنها من فروض ولائنا لأبي ذكرى، وأضاف أنه من حقه علينا أن نأخذ المهمة العسيرة التي لا بد منها وهي تحرى اغتياله بجدية وألا نسمح (بانتزاع واقعة انتحاره من مجرى التاريخ الأدبي في السودان لتقبر في طوايا الحياء الاجتماعي المتخلِّف والنجوم الخاصة المحضة ولا خير في كثير منهما).

(4)

وكتب عنه الأستاذ بشرى الفاضل مقالاً بعنوان (فضائيات عبد الرحيم أبو ذكرى).. وقال فيه: تتخلل الصور الكونية حيث المجرات بأجسامها الواقعية والمتخيلة الكثير من قصائد الشاعر الراحل عبد الرحيم ابوذكرى. وكنت في منتصف الثمانينات قد قدمت محاضرة بمنتدى الفلاسفة في كلية الآداب بجامعة الخرطوم بعنوان فضائيات أبي ذكرى.

(5)

كنت ألمح في شعر أبو ذكرى الفضائي هذا نزوعاً للتماهي عن رهق ما يكابده من أوصاب في حياته وهو ما إشار إليه الشاعر الكاتب كمال الجزولي بحق في كتابته التذكارية “أبو ذكرى؛ نهاية العالم خلف النافذة” في الكتاب الصادر عن دار تراث ودار العلوم عام 2005 حين قال ” لقد ظل أبو ذكرى مشدوداً دائماً، وبقوة روحية هائلة، إلى الأعالي بكل ما فيها وما يحيط بها من مفردات ومعانٍ، إلى السماوات والكواكب والفضاءات اللامحدودة التي كانت تشكل لديه المعادل الموضوعي (للانعتاق) أو حلم (الوجود المغاير) الذي عاش يتحرق توقاً إليه”.

(6)

في قصيدة (هدهدة) مفتتح ينبهنا على هذا النزوع لدى الشاعر على الفضاء فالمطر الذي ينثر رذاذه السماوي مخترقاً الشارع فالسياج تم تصويره بكاميرا ترصد ذلك الهطول من علٍ كما لو أن الشاعر يصور لنا ذلك المشهد وهو يحلق فوقه.

أما في قصيدة (المجذوب أخذ زهور حياته ورحل) التي سبق لي أن ألقيتها نيابة عن الشاعر وبحضوره في منتصف الثمانينات في تأبينية المجذوب بجامعة الصداقة بموسكو فتظهر لنا بجلاء إضراب الشاعر عن العالم الذي يراه كئيباً بالصورة المغايرة حيث يرى مجذوبه هناك في دروب المجرات:

أمس بعد المغيب

سرت أبغي الدروب القصية

أترحل في عالم الميتين الرهيب

عالم الخرس والصامتين

وطواني جناح عظيم

في دروب المجرات بين النجوم

(7)

فأبو ذكرى إذن لم يكن بعيداً عن الشعر الحر اللاعدمي والمنحاز بطبيعة الحال إلى تيارات الواقعية.. ومن السهل جداً مصافحة ذلك في ديوانه الشعري الأول (الرحيل في الليل) الذي صدر عام 1973م والذي قال عنه صاحبه في غلافه الخارجي: (أومن بالبساطة في تركيب الشعر إن كانت البساطة تؤدي إلى أسر التجربة الشعرية كاملة وإلى تعميق فهمنا للعالم ولأنفسنا وإلا.. فلا بساطة ولا يحزنون).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى