عبد الله مسار يكتب: من زعماء بلادي (2) الدكتور عمر نور الدائم

28 أكتوبر 2022
قلنا في مقالنا الدكتور عمر نور الدائم (1)، إنه وُلد في ولاية النيل الأبيض في قرية قريبة من نعيمة في عام 1934م، وقلنا إنّه بدأ تعليمه الأساسي في نعيمة، ثم انتقل لحنتوب ثم جامعة الخرطوم كلية الزراعة، ثم انتقل إلى ألمانيا ونال الماجستير والدكتوراه في الزراعة الآلية، ثم عمل مفتشاً زراعياً في الدالي ومديراً لمشروع خشم القربة، ثم استقال وتفرّغ للعمل السياسي ليُنتخب عضواً في البرلمان دورة 1965م و1986م عن دائرة أم رمتة، ثم اُختير وزيراً للزراعة مرتين 1965م و1986م، وكذلك وزيراً للمالية عام 1988م، وشغل في هذه الفترة مواقع مختلفة لحزب الأمة حتى صار نائباً لرئيس الحزب في عام 2004م. وفي هذه الفترات، كان قريباً جداً من السيد الصادق المهدي، حيث تعرّفا عن بعض في جامعة الخرطوم ثم تصادقا وتآخا واشتركا في النضال في فترات مختلفة، وكذلك في الحكم وفي قيادة وإدارة الحزب والكيان وكان أقرب شخص له حتى وفاته في 2004م.
هذه مسيرة (أبو التومة) النشأة والعلمية والتعليمية ملامح من السياسية، ولكن فلنظر الى د. عمر نور الدائم الآخر.
أنا تعرّفت عليه بعد عام 1977م بعد المصالحة الوطنية، وكنا نأتي إليه في منزله ونحن طلاب، واستمرت العلاقة حتى وفاته في حادث حركة مشؤوم، وكان أبو التومة “هو.. هو” لم تُغيِّره الوظائف، ولا المواقع، كان شيخ عرب، كريماً، وودوداً وأخو إخوان، وكان د. عمر صريحا وواضحا وشفافاً، وصاحب مواقف ومرحلة، وكان صاحب نكتة ودعابة، بل كان مُصادماً وكان واسع العلاقات ويحب الحزب والأنصار حباً منقطع النظير، ويحب السودان وأهل السودان، وكان عفيف اليد وزاهداً في المال حتى منزله الأخير تم بمجهود إخوانه حتى توفي، كان يركب عربة بوكس قديمة، ورغم علمه الغزير لم يتغيّر حتى في لبسه السوداني، وكان رجلاً معطاءً.
لديّ معه مواقف كثيرة ولكن أهمها في عام 1980م كنت أرغب في الترشيح لمجلس الشعب وذهبت لأستشيره، وقال لي (النظام العوقة داير بيهو شنو)، قلت صالحتوه عشان شنو، قال لي عشان نحجب دماء الانصار وأهل السودان، قلت له، إنت قلت دخلت السياسة عشان تخدم أهل السودان الغلابة، ونحن عاوزين نخدم أهلنا، قال توكّل على الله، وفعلاً دعمني وترشّحت وسقطت، ولكن بعد عامين فزت في الدوائر التكميلية لمجلس الشعب الإقليمي.
الموقف الثاني بعد اختيار الدكتور التجاني سيسي حاكماً لدارفور في عام 1987م، وكان نصيب حزب الأمة في حكومته الحاكم ووزيرين ومحافظ شمال دارفور، وكذلك محافظ جنوب دارفور، وتم اختيار الأخ يوسف تكنة محافظاً لشمال دارفور والأخ إدريس جزو لجنوب دارفور، ثم بعده الأخ حسين إبراهيم صالح.
وكان الأخ د. التجاني سيسي يحتاج لاختيار الوزراء ووافق على الأخ د. احمد نهار ولكن رفض قبولي لأنه كان لا يعرفني، وكان للأخوين د. عمر نور الدائم ود. إسماعيل أبكر أثرٌ كبيرٌ في موافقة الأخ الدكتور التجاني سيسي وصرنا بعد ذلك أصدقاءً وإخواناً حتى يومنا هذا.
الموقف الثالث تم اعتقالنا في عام 1990م من نيالا ومعي بعض الإخوان، منهم المحامي صالح محمود وكمال فرنساوي ود. محمد صالح وآخرون واحضرنا الى الخرطوم ووضعونا في سطوح عمارة بجهاز الأمن، وبعدها نقلت أنا الى بيوت الأشباح وبعد فترة الى حراسات الجهاز ولكن في موقع آخر، ثم أطلق سراحي، واول شخص جاءني من عموم السودان بعد خمس دقائق من وصولي الى منزلي هو الدكتور عمر نور الدائم وعانقني وبكى بكاءً حاراً، لأنّ شكلي تغيّر حتى الملابس، ودفع لي ألفي جنيه ووقتها كان مبلغاً ضخماً.
الموقف الرابع، بعد أن اختلفنا مع حزب الأمة القومي وكوّنا حزب الأمة الإصلاح والتجديد بقيادة مبارك المهدي، لم يقف د. عمر نور الدائم ضدنا، بل كان ودوداً جداً معنا وظلت علاقتنا ممتازة حتى وفاته. هذه نماذج لمواقف شخصية بيني وبين الدكتور عمر نور الدائم.
د. عمر نور الدائم كان كبيراً وقائداً وحكيماً، وظل في كل الظروف مواطناً وحاكماً ومناضلًا، هو عمر شيخ العرب وابن البلد الرجل القامة.
د. عمر كان لا يُخاصم ولا يميز بين أهل السودان، وكان حاملاً حزب الأمة القومي على ظهره، وكان حلقة الوسط والجامع لكل القوى السياسية وكذلك المجتمع.
دكتور عمر نور الدائم من أصفى وأنقى قيادات السودان، بل رجل واضح جداً، وكان صديقاً للكل.
أما المواقف النضالية للدكتور عمر نور الدائم، فهي لا تُحصى ولا تُعد.
رحم الله أبو التومة الرجل الأمة القائد الإنسان، نسأل الله تعالى له الجنة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى