25 أكتوبر.. عامٌ مضى.. ثُمّ مَاذا بَعد؟

 

الخرطوم- صلاح مختار   27 أكتوبر 2022م

تفاجأ السُّودانيون صبيحة الخامس والعشرين من أكتوبر من العام الماضي بإعلان قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، الإطاحة بالحكومة المدنية، ووضع رئيس الوزراء وقتها عبد الله حمدوك قيد الإقامة الجبرية في منزله, تلك الإجراءات كما سماها قائد الجيش بالإجراءات التصحيحية, وضعت نقطة في سطر جديد في الأزمة السياسية السودانية، وبدأت معها مرحلة جديدة من الشد والجذب بين المدنيين والعسكريين, لاستعادة الديمقراطية كما يحلم ويراها البعض. ولكن بعد مرور عام من تلك الإجراءات، يتساءل البعض ماذا بعد مرور عام؟ وهل تحقّقت كل الإجراءات التي من أجلها قام البرهان بالتصحيح؟

ضرورة التصحيح

برّر البرهان تلك الإجراءات بأنها ضرورية لتصحيح مسار الثورة السودانية، فيما وضعها البعض في خانة (الانقلاب) ضد المسار الدستوري حسب زعمهم, وعدّد البرهان في ذلك الوقت الأسباب التي أدت الى اتخاذ تلك الإجراءات، ومنها كما قال في بيانه، “التشاكس والتكالب على السُّلطة، والتحريض على الفوضى دُون النظر إلى المُهدِّدات الاقتصادية والأمنيّة” هو ما دفعه للقيام بما يحفظ السودان وثورته، مُؤكِّداً أنّ “الانقسامات شكّلت إنذاراً خطراً يُهدِّد البلاد”. ودعا في ذات الوقت إلى تكوين حكومة تكنوقراط بقيادة مدنية تقود الفترة الانتقالية وتعد إلى انتخابات، معلناً حالة الطوارئ في البلاد، وتعليق العمل ببعض مواد الوثيقة الدستورية، إضافة إلى حل مجلس السيادة الانتقالي، ومجلس الوزراء وإعفاء الولاة. وأكد البرهان في نفس الوقت على “مضي القوات المسلحة، في إكمال التحول الديمقراطي، حتى تسليم قيادة الدولة لحكومة مدنية منتخبة”، متعهداً بتشكيل حكومة كفاءات وطنية، تستمر مهامها حتى موعد إجراء الانتخابات عام 2023.

وعودٌ كثيرةٌ

ولكن بعد مرور عام على تلك الإجراءات، لا تزال وعودٌ كثيرةٌ أطلقها البرهان بتحسين الأوضاع الأمنية والاقتصادية في البلاد غير مُتحقِّقة على الأرض، فعلى سبيل المثال لا تزال مناطق عدة في دارفور وغيرها تشهد نزاعات مسلحة ذات طابع قبلي، بل تمددت رقعة الصراعات والمهدّدات الأمنية بالبلاد في العديد من الولايات، كما أن مستوى المعيشة لم يتحسّن في ظل تجميد المجتمع الدولي لمساعدات مالية وعينية كانت قد بدأها في عهد حكومة رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك.

غير واضحة

يقول المحلل السياسي ابراهيم آدم اسماعيل، بعد عام من اجراءات البرهان، فإن الخطوة التي وُصفت بالتصحيحية والضرورية لمنع ما وصفه بانزلاق البلاد نحو الفوضى، باتت غير واضحة وغير مُجدية بعد مرور عام من تلك الإجراءات. وقال لـ(الصيحة) ربما كان التركيز وانشغال المكون العسكري بمحاولة إيجاد تسوية مع القوى السياسية والبحث عن توافق بين مكونات القوى السياسية والثورية هي السبب, ولكن يبدو أنها فشلت في ذلك مما استدعى المكون العسكري إعلان الخروج نهائياً أو تكتيكياً من الحوار السياسي وترك ذلك للمدنيين, ومضى أكثر من ذلك عندما أخرج قوى الحرية والتغيير- الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية – من الحكومة ومؤسساتها، مبرراً ذلك بأن البلاد يجب أن تُدار بواسطة حكومة كفاءات وليس حكومة أحزاب، وأضاف بأن انشغال البرهان بتقاطعات القوى السياسية ومُحاولة إيجاد قواسم مشتركة فيما بينها لم يجعله يلتفت الى سُرعة الوقت الذي ذهب من بين يديه، واذا نظرنا الى العام المنصرم، نجد أن لا خطوة جديدة في إطار إصلاح الحياة السياسية, بل ازدادت السيولة الأمنية، كذلك زادت قتامة الوضع الاقتصادي الذي لم يتحسّن، بل زاد التضخم وارتفعت الأسعار, ولذلك الوضع لا يمكن وصفه أكثر ما هو قاتمٌ ويزداد سوءاً ويحتاج أولاً إلى وقف التدهور الاقتصادي والأمني وفرض هيبة الدولة ومُحاربة الفساد في المُؤسّسات الحكومية, ولا يُمكن أن يتحقّق كل ذلك في ظل تباعد المواقف بين القوى السياسية وعدم وجود رؤية واضحة في الأفق حول حل الأزمة.

صورٌ مختلفةٌ

وكان القيادي بقوى الحرية والتغيير ابراهيم الشيخ، قال لـ(بي بي سي) بعد عام من الخطوة، إن إجراءات البرهان أعاد البلاد خطوات نحو الوراء، وإن قادة الجيش أضاعوا ما تمّ تحقيقه خلال الفترة الانتقالية، ويوضح: “السلام الذي حققته الحكومة الانتقالية بات الآن مهدداً. وقال لا أعتقد أن الفصائل الأخرى ستوقع اتفاق سلام مع الانقلابيين. عُدنا سنوات للوراء وكأن قدر السودانيين أن يعيشوا في كنف الانقلابات”. ولكن الصورة التي رسمها الشيخ تبدو مغايرة بالنسبة لمبارك أردول ومجموعته التي انشقّت عن التحالف الحاكم قبل الانقلاب. ويرى أردول بحسب الـ(بي بي سي) الذي يُدير حالياً شركة حكومية معنية بالتعدين أن ما حدث في أكتوبر الماضي فتح الطريق نحو الاستقرار السياسي. ويقول: “بعد ذهاب الأحزاب التي كانت مُسيطرة على السلطة وتريد تجييرها لمصلحتها أصبح الوضع جيداً وهناك استقرار سياسي واضح”. ويضيف أنّ الحكومة أنجزت الكثير من الأمور منذ أكتوبر الماضي، من بينها إكمال هياكل السلطة الانتقالية بتعيين رئيس للقضاء والنيابة العامة. ويؤكد أردول أنّ السودان بدأ يشهد تحسناً اقتصادياً مع توفر السلع الأساسية خاصةً الوقود والخبز، مشيراً إلى وجود خطط حكومية طموحة للتغلُّب على الصُّعوبات الاقتصادية.

بين تيارين

ولكن الكاتب والمحلل السياسي د. أبو بكر آدم يرى أن الوضع بعد عام من الإجراءات سياسياً، لا يبدو التفاعل كبيراً مع المُبادرات التي طُرحت حتى الآن، بل بات المُجتمع منقسماً بين تيارين، وهناك مَن يقف على طرفي الأحداث يراقب مثل الحزب الشيوعي الذي لا يعجبه عجب ولا الصيام في رجب. وفوق كل ذلك لا تبدو على الأفق حلول واضحة رغم الأطروحات الدستورية المتمثلة في مشروع الدستور المُؤقّت الذي طرحته نقابة المحامين, وقال آدم لـ(الصيحة) بعد مرور عام يجب أن تقيّم تجربة الثورة خلال الأعوام الثلاثة وما آلت إليه الأوضاع، ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هل المواقف المتطرفة والمتعنتة لبعض القوى السياسية والتحالفات أدّت إلى هذا الوضع المتأزم؟ فإن الخطوة المرجوّة من الجميع تقديم تنازلات ما يُمكن معه تحريك العملية السياسية ربما الكرة المُلقاة على عاتق القِوى السياسية تحتاج إلى مَن يبادر بإدارتها دون النظر إلى المصالح الشخصية والذاتية.

كتلة الوفاق

واكد آدم ان المكون العسكري رغم انه ظاهرياً يرى خروجه من الحوار السياسي مفيدٌ لتنقية الأجواء، إلّا أنّ الواقع يقول عكس ذلك لأن القوى السياسية بعد خروج الجيش من الحوار السياسي بعدت الشقة فيما بينها والساحة الآن مشكلة بين كتلتين، واحدة مع قوى الحرية والتغيير اللجنة المركزية، والأخرى مع كتلة الوفاق الوطني وما يتفرّع منها من مبادرات. إذن المهم فيم بعد إجراءات الخامس والعشرين من أكتوبر من العام الماضي أن تستمر القوى السياسية في إيجاد صيغة توافقية لتكوين حكومة مدنية من التكنوقراط، ولعل إذا صح بوجود إجماع بين القوى السياسية على مشروع وثيقة المحامين، فإنّ شوطاً كبيراً من الحلول قد بدأت تلوح في الأُفق، ولكن إذا استمرّ الوضع على ما هو عليه، فإنّ الأوضاع مرشحة للانفجار، وان الوضع الاقتصادي بَاتَ لا يقوى على امتصاص الصدمات الكبيرة، وان القوة الشرائية للمواطن تدنت لأدنى مستوى، بالتالي، لا بد أن تعي الأحزاب والقوى السياسية ذلك وتتوافق على حد أدنى للخروج من الأزمة الحالية.

استمرار التدهور

في ذات السياق، حذر ممثل الأمين العام الخاص، رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة الانتقالية في السودان (يونيتامس) فولكر بيرتس بعد عام على إجراءات البرهان، حذّر من استمرار تدهور الوضع العام في البلاد ما لم يتم التوصُّل الى حل سياسي لاستعادة حكومة مدنية ذات مصداقية، يمكنها إعادة تأسيس سُلطة الدولة في جميع أنحاء البلاد، وتهيئة الظروف لاستئناف الدعم المالي الدولي، بما في ذلك تخفيف عبء الديون. وحذّر بيرتس في إحاطة لمجلس الأمن من أن “مثل هذا الحل غير مضمون بأيِّ حال من الأحوال. لكن لا تزال هُناك فُرصة للتوصُّل إلى اتفاق سياسي جديد من شأنه أن يفتتح فترة انتقالية جديدة ويضع البلاد على مَسَار انتقالي أكثر استدامةً نحو حكم ديمقراطي بقيادة مدنية”.

فرصة مُواتية

وقال فولكر بيرتس، إن قرار الجيش بالانسحاب من الحياة السياسية والمبادرات الأخيرة التي طَرحتها القوى المدنية يوفران فرصة للقوى العسكرية والسياسية للتوصُّل إلى اتفاق حول كيفية المضي قدماً. وشدّد على أهمية الوقت، محذراً من أنه كلما طالت فترة الشلل السياسي، زادت صُعُوبة العودة إلى الانتقال السياسي، وحث جميع الجهات الفاعلة على اغتنام هذه الفرصة والتوصُّل إلى اتفاق ذي مصداقية بشأن حلٍّ يتمتّع بالشرعية في نظر النساء والرجال السودانيين، مؤكداً موقف الأمم المتحدة والآلية الثلاثية – المكونة من الاتحاد الأفريقي وهيئة إيقاد ويونيتامس- الثابت في دعم جهود الانتقال السياسي. ودعا المجلس والمُجتمع الدولي الأوسع إلى تقديم دعم مُتماسكٍ ومُنسّقٍ للسودان في هذا الوقت الحرج. وقال بيرتس إنّ الفُرصة سانحةٌ لإنهاء هذه الأزمة السياسيّة، داعياً القوى العسكرية والمدنية إلى اغتنامها بشكل عاجل.

احتجاجاتٌ منتظمة

وقال فولكر إنّ فترة الأشهر العشرة الماضية منذ الانقلاب العسكري، تميّزت باحتجاجات مُنتظمة ضد الإجراءات”. وقال إنّ الاحتياجات الإنسانية بلغت الآن مُستويات قياسية بسبب التأثير المُشترك لعدم الاستقرار السياسي المُستمر، والأزمة الاقتصادية، وتصاعد العنف بين المجتمعات المحلية، وضعف المحاصيل والفيضانات التي تضرب أنحاء من البلاد حالياً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى