صلاح الدين عووضة يكتب : نصف !!

23 أكتوبر 2022 م

 

انتصف اليوم..

وامتلأ نصف السماء بسحبٍ خريفية تركض كسحب إيليا أبي ماضي..

وهي تلك التي قال عنها في قصيدة المساء:

السحب تركض في الفضاء الرحب ركض الخائفين

والشمس تبـــدو خـــلفها صـــفراء عاصـــبة الجبين

والبــحر ســاجٍ…صامتٌ…فيه خشـــوع الزاهــدين

فخرجت أنشد نصف كوبٍ من القهوة..

وعند منتصف الطريق صادفني شابٌ من أبناء حينا..

وقد اشتعل نصف رأسه شيبا ؛ كحال نصف شباب زماننا هذا..

فهم إما يشغل شيبٌ نصف رؤوسهم ؛ أو صلعٌ..

وهي ظاهرة ليس لها مثيل في شباب أزمنة بلادنا السابقة كافة..

وعلى وجهه ارتسمت نصف ابتسامة..

فاستوقفني ؛ وطلب نصيحتي بشأن إكمال نصف دينه…وقد بدا مهموماً..

فنصحته بأن لا يفعل..

وقد تقمصتني – لحظتها – نصف روح فيلسوف..

وسألني : ألا أكمل نصف ديني؟..

فأجبته : أكمله إذن ؛ ولكنك ستفقد نصفاً آخر..

قال متسائلاً بدهشة : وما هو؟…قلت : نصف عقلك..

فذهب عني بمقدار نصف متر ثم عاد مغمغماً…وعلى وجهه نصف تجهم:

وأين سيذهب نصف عقلي هذا؟..

قلت بنصف ابتسامة : إلى حيث ذهب نصف تبسمك..

فذهب عنه النصف هذا نفسه ؛ وذهب..

وذهبت أنا عن خاطرتي هذه – وقد كتبتها قبل فترة – وتركتها نصفاً..

أي نصف خاطرة ؛ ونصف نصف مقال..

والبارحة رأيت أن أكمل النصف هذا مقالا ؛ لا نصف ديني زواجا..

فقد أكملت نصف ديني هذا ثلاث مرات..

ثم لازلت أراه نصفاً ؛ وكأنه ينقص – كلما أكملت نصفاً – ولا يزيد..

فقد امتلأت السماء بنصف سحبٍ أيضاً..

وأيضاً خرجت إلى حيث أحتسي نصف كوبٍ من القهوة ؛ فهكذا أشربها..

وفي منتصف السكة واجهتني واحدة بنصف عقل..

وربما كنا نحن بأنصاف عقول ؛ وهي تحقق فيها دعاء أمها (يكمِّلك بعقلك)..

ثم تعثرت – فجأة – وسقط نصف وشاحها..

فالتقطته سريعاً…وضحكت نصف ضحكة…ونظرت إلي بنصف حياء..

وربما بمقدار من الحياء يناسب مقدار دواعيه..

وساءلت نفسي : هل هذه بنصف عقل؟…ففعلها يدل على أنها بكل العقل..

وتذكرت لحظتها قول النابغة في المتجردة:

سقط النصيف ولم تُرد إسقاطه…فتناولتــه واتقتنـــا باليـــدِ

بمخضبٍ رخص كأن بنانه…عنمٍ يكاد من اللطافـــة يُعقــَّدِ

وبلغت محل القهوة ؛ فلم أجد مقعداً فارغاً عدا واحداً بنصف نسج..

فجلست – نصف جلسة – على النصف المنسوج..

وتمنيت لو أن كنت أضع مثل ذاك الذي سقط عن نصف صاحبة العقل..

أضعه على وجهي…لا رأسي..

وذلك كيلا يسألني أحدٌ عما حصل…وما سيحصل…وما هو حاصل..

وما هو حاصل – الآن – كان محور الحديث..

وسألني صاحب سنٍ نصف مكسورة : أصحيح أن التسوية نضجت؟..

ويقصد التسوية بين العسكر وقحت..

وقلت له إنها نضجت – في نظر جماعة مركزي قحت – نصف نضوج..

وهم يريدون الكل…لا الجزء…ولو كان النصف..

أي يريدون كل السلطات…وكل الصلاحيات…وكل الامتيازات..

وباختصار ؛ يريدون استعادة سابق وضعهم كاملاً..

ونصف التسوية المرفوض هذا – من تلقائهم – هو ما يريده العسكر بالضبط..

وذلك لتكون لهم حجتهم أمام فولكر…وجماعته..

وفضلاً عن ذلك يكون قد سقط عنهم ما يماثل نصيف متجردة النابغة..

وما يماثل وشاح صاحبة نصف العقل التي صادفتني..

أي سقطت عن عورة (عوارهم) – في نظر الناس – ورقة توت كانت تسترها..

أما في نظر جاري فقد كنت ذا عقل نصف مغيب..

وكان قد أفرغ ما تبقى من نصف قهوته في جوفه ويضحك نصف ضحكة..

وقال  : إما تتعاطى (قندولاً) أنت..

أو (نُصَّاً) !.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى