عبد الله مسار يكتب : أزمة القرار الوطني (1)

17    اكتوبر 2022م
السُّودان دولة قامت فيها حضارات كثيرة، وتعرّضت للاستعمار أكثر من مرة عبر غزو خارجي، وأكثر الذين غزوا السودان في العصر الحديث الأتراك والمصريون والانجليز، ضمن موجة الاستعمار الغربي من أوروبا لأفريقيا وأمريكا الجنوبية وآسيا، وكان أكثر الاستعمار وجوداً هو الاستعمار الانجليزي، وهذا الاستعمار أسّس السودان على أنه دولة عصبها القبائل ورجال الطرق الصوفية وبعض البيوتات، وجعل النظام الإداري (الإدارة الأهلية) هو المسيطر حتى في النظام القضائي في درجاته السفلى، وفي المؤسسات القضائية قائم على أساس الحكم العشائري، وكذلك جعل هنالك سطوة لرجال الطرق الصوفية، وسطوة مالية لبعض الأسر التي والت الاستعمار، وكان النظام الإداري الحديث موجوداً فقط في مناطق الحضر والمُدن الكبرى، وهو يخدم المثقفاتية والنخب التي تعلّمت وخاصة خريجي كلية غردون، في حين أن أهل السودان في الريف والرحل كانوا خارج هذه التوليفة التي جمعت بين المستعمر، وهؤلاء المثقفاتية وهذه النخب التي صارت زمرة الموظفين وكبار رجال المال ومعهم بعض الأعيان وجزء من رجال الدين الذين يعيشون في بلاط الحكم أيّاً كان لونه وشكله، ووسط هذه الزمر خرجت فئة من الوطنيين قاومت الاستعمار وقادت النضال، في حين أن كثيراً من الموظفين والنخب والمثقفاتية وبعض الأعيان والتجار وجُزءاً من رجال الدين كانوا يُوالون المستعمر ويساندونه على أساس المنفعة المتبادلة، وكانوا ممن حقنوا بقيم وأساليب الاستعمار حتى ظنّ بعضهم أنّهم صاروا من مجتمع المستعمر الذي جاء به من منطقة الأصل وهي بريطانيا، فانطبق عليهم قول عامة السودانيين (التركي ولا المُتورك)، وكوّن هؤلاء بطانة الحاكم، وهذه الفئة سيطرت على المال والجاه والوظيفة العامة، وسيطرت على مراكز القرار، وجعلت من بقية أهل السودان شغيلة وسائلة وأتباعاً ومريدين، وخاصة رجال الدين الذين كان لهم شأوٌ في بعض نضال أجداد، وصار مجتمع السودان مستعمراً في القمة، وبعض معاونين له من موظفين، وبعض من نخب ومثقفاتية ورجال دين ذوي حظوة وسطوة، وكذلك بعض من التجار، وهؤلاء كانوا عليّة القوم، باقي أهل السودان هم الشعب، وهذا الوضع جعل السودان فئتين، فئة قريبة من المستعمر ومستفيدة من كل السلطة، وفئة أخرى هي عامة الشعب، وهؤلاء هم يتلقّون أوامر المستعمر من الفئة الثانية.
ومن داخل الفئة الأولى، برزت مجموعة من الوطنيين قادوا النضال وخاصة العسكريين من الرعيل الأول، وأيضاً مِمّن تعلموا في الخارج، وخاصّةً الذين درسوا في مصر، وكذلك بعض من مشايخ الطرق الصوفية الذين لم يتألجوا، وجزء من الشعراء والفنانين.
هذا الوضع هو الذي شكّل الفترة قبل الاستقلال، وهذا الوضع جعل القرار الوطني مرهوناً للخارج، وظلّ الخارج هو الذي يُشكِّل التكوينات السياسية، ولذلك صار القرار الوطني ضعيفاً أو معدوماً، وظلّ الخارج هو المُسيطر علي السودان أفراداً وتنظيمات.. وننظر في ذلك في المقال الثاني.
تحياتي،،،

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى