حركات دارفور.. دفاع عن المركز وتخلي عن الهامش

حركات دارفور.. دفاع عن المركز وتخلي عن الهامش

الخرطوم- آثار كامل

حركات الكفاح المسلح الموقعة على سلام  اتفاق جوبا والتي حملت السلاح لعدة سنوات دفاعاً عن حقوق الهامش والمطالبة بالتنمية والصحة والتعليم والخدمات وإنصاف ضحايا الإبادات الجماعية وعودة اللاجئين والنازحين من المعسكرات والكثير من المطالبات التي جلس من أجلها حاملي السلاح وإيمانهم بمقولة: (أرضاً سلاح)، مع حكومة الفترة الانتقالية بوساطة دولة جنوب السودان والتوقيع على اتفاقية سلام جوبا إيماناً منهم بحقوق الهامش التي حملوا السلاح من أجلها مرَّ العام الأول والثاني وخلال العامين تغيَّرت الأحوال وتحوَّلت حركات الكفاح المسلح بنظر العديد من المراقبين من المطالبة بحقوق الهامش سابقاً إلى الدفاع المستميت عن وجودها في المركز البعض يقرأ هذا التحوُّل تحت بند الانتهازية السياسية، فيما يرى أخرون أنه من الإجحاف النظر إلى السلوك السياسي للحركات الدارفورية بعيداً عن الظروف السياسية التي تمر بها البلاد.

سلام جوبا

رغم توقيع اتفاق سلام جوبا والاحتفاء الكبير الذي صاحبه، فضلاً عن الترويج الواسع بأنه اتفاق مختلف وسوف يعالج جذور المشكلة بخلاف الاتفاق الذي وقع خلال فترة نظام البشير، ورغم أن قيادات الكفاح المسلح نالت استحقاقاتها السياسية وتبوأت المناصب، إلا أن التوترات الأمنية بدارفور لم تنته، والمعسكرات في حالة انتفاخ، بل أن دارفور ما زالت تنزف ولا زال أهل الهامش ينتظرون أن يتحقق حلم السلام على أرض الواقع كما ينتظرون التنمية الموعودة والحقوق المهدرة.

شهدت دارفور منذ العام 2003م، حرباً عنيفة خلال حكم النظام السابق خلفت أكثر (300) ألف قتيل، وتسببت في نزوح ولجوء أكثر من ثلاثة ملايين، وحسب قادة الحركات فإن الحرب كانت بسبب التهميش سياسياً، اقتصادياً وتنموياً، ورغم توقف الحرب، إلا أن العنف بأشكال أخرى ظل يتجدَّد في بعض المناطق من حين لآخر بسبب النزاعات المنتشرة بين الرعاة والمزارعين، في ظل انتشار السلاح بأيدي المواطنين.

تحديات الواقع

يرى مراقبون سياسيون أن حركات الكفاح المسلح وضعت أمام تحديات أقرتها اتفاقية سلام جوبا بجانب الابتعاد عن الحكم الذاتي الذي خلق أزمات في السابق وتطبيقة على إقليم دارفور وغيره يخلق أزمة جديدة ويزداد الوضع تعقيداً خصوصاً بأن حركات الكفاح المسلح وجدت نفسها في وضع معقَّد من كل النواحي وخصوصاً السياسية ولفت المراقبون بأن الوضع السياسي وبروز الخلافات والتحالفات جعلت حركات الكفاح المسلح تتنازل عن القضية الأساسية وهي الدافع عن حقوق الهامش والدخول في خانة الدفاع عن المركز وسط الأجواء السياسية المتأزمة فأصبحت أمام تحدي الواقع السياسي الموجود بالساحة.

تأثير الخلافات

قال المحلِّل السياسي النذير منصور: إن الخلافات والتشاكسات والمصالح التي نشبت مؤخراً لن يكن لها تأثير في مداها القريب، بل بدأ يظهر في المدى البعيد الأن، ولفت في حديثه لـ (الصيحة) بأن الخلافات ظهرت منذ قيام الاعتصام حول محيط القصر أو عدمه ووقع  بين حركات الكفاح المسلح عندما أصبحوا جزءاً من العملية السياسية وتناسي قضايا الهامش والدفاع عنها، مثل هذه الخلافات تعكس الصورة السالبة للمواطن بأن الحركات المسلحة حركات مصالح، فلابد من تدارك الخطأ، ويرى النذير خطوة جميلة أن تقدِّم الحركات المسلحة مبادرات ورؤى لحل الأزمة السياسية، لأنها جزء من الحرية والتغير، ولكن لا ينسيهم ذلك القضية الأساسية التي حمل من أجلها السلاح.

الخلافات تُغيِّر الأهداف

قال محمد إسماعيل زيرو، القيادي بالجبهة الثورية في حديثه لـ(الصيحة): في الفترة الأخيرة تأثرت الحركات بوجودها في السلطة وبدأت التنازل عن حقوق الهامش ومطالبات الهامش وحدوث تحوُّل كبير لعدة عوامل منها الخلافات بين المدنيين والعسكريين مما جعلهم يغيِّرون الأهداف، وأضاف في نظري المكتسبات التي اكتسبت بعد التوقيع على السلام تغيَّرت، منوِّهاً بأن بعض الحركات التي وقعت على السلام لم تستأثر بالسلطة، وكشف زيرو عن عدم تنفيذ بروتوكولات آلية سلام جوبا وأن تنفيذ الاتفاق لم يتجاوز (5%) وتم في الجانب السياسي فقط، حتى الترتيبات الأمنية لم تكتمل بعد عدا المنطقتين لم تتجاوز (30%) ولم يحدث تقدُّم، الوضع كما هو عليه، وأشار إلى أن هنالك تباينات كثيرة ظهرت نتيجة للإشكالات، ونجد أن القيادات الكبيرة تنازلت عن القضايا الأساسية وحدث تراخٍ وتنازل قوى الهامش والحقوق التي حملت من أجلها السلاح، وأضاف بأن آلية تنفيذ الاتفاق لم تر النور، منوِّهاً بأن هناك آليات كثيرة لم تنشأ حتى الآن خاصة بالمفوِّضيات والمؤتمرات العامة والصناديق، لم تر النور ما يؤكد بأن هنالك عدم إرادة من الطرفين في تنفيذ اتفاق السلام وتكميل الآليات الأساسية وإنزال السلام على أرض الواقع.

سلام ناقص

يرى الخبير الاستراتيجي عبدالله الحسن، خلال حديثه لـ(الصيحة) بأن على الرغم من وجود اتفاق سلام، ولكن على الأرض نزاع ومطالبات واحتجاجات تشير على أنه اتفاق على ورق ويعد ناقصاً ما لم تستقطب الحكومة كل الحركات ويصبح شاملاً، ولفت إلى أن الصراعات التي تقع بدارفور حتى الآن لم تضع اتفاقية جوبا أسس لحلها خاصة قضايا الأرض والحواكير وتحديات دمج إعادة النازحين واللاجئين، فحتى الآن لم ينفذ على الواقع سوى محاصصات مجلس السيادة الانتقالي ونسب معينة منحت لدارفور بالوزارات، وأضاف: كل ما ذكر قد جعل من يمثلون الحركات المسلحة وهم على رأس السلطة في حالة نسيان لقضايا الهامش والتركيز على المركز والأمور السياسية، ولفت إلى أن تحقيق السلام يواجه تحديات كبيرة على رأسها الأزمة السياسية الراهنة التي أدت إلى فراغ في الحكم ذاته إذ لا توجد حكومة الآن حتى تنجز المهمة الأولى للفترة الانتقالية وهي استكمال العملية السلمية مع الحركات غير الموقعة حتى الآن مثل: الحركة الشعبية قطاع الشمال/الحلو وحركة تحرير السودان/ عبدالواحد، ولفت إلى بأن التحدي الثاني هو عدم تنفيذ ما تم توقيعه فعلاً في جوبا منذ أكتوبر 2020م، وحتى الآن والثالث هو انقسام كتلة السلام ذاتها إلى كتل متنافسة ومتكايدة وهذا يضر باتفاقية السلام.

الأزمات قائمة

يقول المحلِّل السياسي والمراقب للعملية السلمية في دارفور عبد الله آدم خاطر، لـ(الصيحة): إن الصراعات القبلية والإثنية في السودان ارتبطت بالصراع حول الموارد والحواكير، وأوضح  بعد ثورة ديسمبر وسقوط النظام، وتوقيع اتفاقية السلام في أكتوبر 2020م، هذه التغيُّرات الجوسياسية أوجدت شكلاً جديداً للصراع في ولايات دارفور، حيث أصبحت بعض حركات الكفاح الموقعة على السلام طرفاً خفياً في تأجيج الصراعات القبلية لأهداف الطموح الاقتصادي، والمصالح مثلما حدث في غرب دارفور، وفي شرق السودان، وقال: إن الأحداث في النيل الأزرق لم تكن بعيدة عما حدث في هذه الولايات، ولم يستبعد خاطر وجود أيادي خفية تسع لتأجيج الصراع بين هذه الإثنيات، لا سيما في ظل انعدام الأمن والاستقرار السياسي في البلاد، وزاد: ربما هذا ما يفسِّر تحوُّل الصراع من موارد إلى صراع قبلي سياسي، وأضاف بأن القضايا الأساسية التي تخص الهامش لم ينفذ منها ولا شيء، بل أصبح الكل منشغل بالأمور السياسية.

بناء أمة

أكد مناوي في حديث سابق بولاية شمال دارفور خلال تخريج أول دفعة من القوات المشتركة المعنية بحماية المدنيين في دارفور، أن اتفاق جوبا بداية لبناء الأمة السودانية يسودها المحبة والسلام، مضيفاً: يحب أن تكون آلياتها، مبنية على المصالحات بين قطاعات المجتمع السوداني كافة وخاصة دارفور، مؤكداً أهمية تطبيق اتفاق جوبا وضرورة تكوين المفوَّضيات وصندوق دعم دارفور وصندوق إعادة النازحين، وأضاف: يجب أن يبدأ فوراً حتى نكون صادقين أمام شعبنا. وشدَّد يجب الالتزام بدفع (٧٠٠) مليون دولار، لتنمية دارفور، وجدَّد التزامهم الجاد بالحوار بين جميع السودانيين بالاحترام، من أجل إنقاذ البلد من الوضع الهش ضرورة بناء الثقة عبر آلية الحوار وإدارة التنوع.

مشاكل متراكمة

أقر مناوي أن هناك مشاكل تراكمية، وأضاف: سقوط الأشخاص لا يعني الحل ولكن فرصة لتناول القضايا وكيفية حلها ونادى بضرورة بناء آلية سودانية للحوار لحل مشكلة السودان. وشدَّد يجب أن تأتي الديموقراطية بتراضي المكوِّنات بمختلف تنوعهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى