شاكر رابح يكتب : الدين والدولة

22سبتمبر 2022م

ثمة تداخلات ولبس بين مفهوم الدين والدولة في أواسط القِوى السياسية والعامة، وكذلك المهتمين بشأن القضايا الفكرية في السودان. في تقديري الشخصي تناول هذه القضية من الأهمية بمكان إثراءً للنقاش، ونحن في ظل فترة انتقالية يتلمس فيها الجميع لإيجاد مخرج حقيقي وحاسم للقضايا الخلافية والجدلية التي تمثل خميرة عكننة أمام وحدة الأمة السودانية، وقضية فصل الدين عن الدولة شغلت الرأي العام ردحاً من الزمن، أعتقد أن مبدأ الفصل التام بين الدين والدولة الذي ورد ضمنياً في الإعلان الدستوري الجديد لنقابة المحامين يواجه رفضاً شديداً ليس من الأحزاب السياسية اليمينية الإسلامية فحسب، إنما الرفض من تيارات وقطاعات واسعة من الشعب السوداني بشكل عام، كما أن دعاة العلمانية انفسهم غير مقتنعين في الحقيقة بذلك ولعل يعود ذلك إلى أن مبدأ فصل الدين عن الدولة اتخذوه شعاراً سياسياً دعائياً دون طرحه بشكل عملي وواضح، ومن الواضح أن القوى السياسية العلمانية لديها نزعة فصل بين الدين والدولة بالرغم من عدم طرح هذا الموضوع في أجندة الأحزاب السياسية اليسارية، لهذا السبب ظلت حظوظها ضعيفة في اكتساب عضوية كبيرة لبعد عامة الشعب عن هذه الأفكار ولالتزامهم الفطري بالشريعة والهوية الإسلامية والتي يعد أي مساس بها تجاوزاً للخطوط الحمراء، رغم تعدد المُساهمات فيما يتعلق بالخلاف الفكري حول شكل العلاقة بين الدين والدولة.

ففي الفكر السياسي الإسلامي ووفقاً للمرجعية الإسلامية، هناك اضطرابٌ وخللٌ أربك المتابع والمهتم نظراً إلى دعوة عتاة الإسلاميين في المحيط الإقليمي لفصل الدين عن الدولة، هذا التناقض والسجال أدى إلى نشوب معركة فكرية وأيديولوجية قائمة على أساس سياسي وليس أيديولوجياً، وعقب ثورة ديسمبر المجيدة حددت أحزاب بعينها موقفها، ونادت بالفصل بين الإسلام والدولة، بينما تمسك آخرون بأن الإسلام هو دين ودولة لا ينفصلان، واعتقد أن الإسلام كدين أوضح مفاهيم عديدة فيما يخص شكل وإدارة الدولة المدنية، والسجال بين الأطراف جميعها يستدعي وجود إنتاج فكري وتجديد خطاب إسلامي معتدل ومقبول يستوعب المتغيرات والمفاهيم والمصطلحات التي طرأت على الساحة السياسية، خاصةً شعارات الثورة الداعية إلى تحقيق الحرية والسلام والعدالة.

التيار الإسلامي العريض  يستند في حججه الرافضة لفصل الدين عن الدولة على الخوف من المساس بالعقيدة والشريعة الإسلامية كمبادئ مقدسة. ويقول “فرح انطوان” (ومتى يعمل جميع البشر بفضائل أديانهم بإخلاص وتركوا ما بقي فقد صارت الأديان كلها ديناً واحداً وهو الفضيلة).

الشيخ محمد عبده تناول أفكار انطوان ووصفه بالظالم كونه مُتناقضاً لجعله الإسلام والعلم نقيضين لا يلتقيان، حيث يرى الإمام محمد عبده أن الإسلام ليس كهنوتا كما هو الحال في المسيحية وهذا يجعل الفكر الإسلامي رؤيته مقبولة، وكيف لدولة غالبية سكانها مسلمين كيف لهم التعامل مع مفهوم العلمانية وعلاقة ذلك بالدولة؟ وما هي معايير توصيف الدولة بالمدنية أو العلمانية أو أنها دولة إسلامية أو دينية؟ يظل هناك سؤالٌ محوريٌّ ما المقصود بالعلمانية هل هو فصل الدين عن الدولة أم عن السيادة أم عن الهوية أم عن السياسة أم تعني فصل السلطة التنفيذية من السلطة الدينية؟ في هذا السياق إلى أي مدىً صحة أن نسمي دولة إسرائيل مثلاً دولة دينية ديمقراطية

بالأمس القريب أدى تشارلز الثالث القسم بالكنيسة ملكاً للعرش كتقليد معمول به، وأشار صراحة عن دفاعه لديانته التي يؤمن بها، مفهوم الأمة والمواطنة علماني، كما أنّ مفهوم التعايش بين الأديان مفهوم إسلامي، ففي دولة المدينة تأسس مفهوم الأمة والمواطنة في ظل الدولة المدنية التي تحفظ للجميع مسلمين ويهودا حقوق المواطنة والعبادة بوصفهم أفراد الأمة.

في ظل هذا التداخل نحن في حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى توصيف دقيق لمفاهيم الحداثة، وبحاجة إلى خطاب نقدي جديد يركز نقده على الساسة والرؤى والأفكار أكثر من تركيزه على الدين، وبالتالي لم تكن هناك إجابة واضحة عن مكانة الدين (الإسلام، المسيحية، اليهودية) في حياة المجتمعات وعلاقتها بالحكم، والتجربة العلمانية في الدول العربية كمصر وسوريا والعراق أنتجت الاستبداد والتسلط بدل تحقيق التحول الديمقراطي الحقيقي.

 

للحديث بقية

 

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل،،،

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى