تحديات اتفاق (العسكري) و(الحرية)..!!

التحدي الأول للاتفاق هو الأحزاب والجماعات المُوقِّعة على إعلان الحرية والتغيير التي تنقسم إلى أنصار وأتباع الاتّفاق، وهم الذين قادوا الحوار حتى لحظات التوقيع، أبرزهم حزب الأمة القومي والمؤتمر السوداني، وداخل هؤلاء هناك جماعة صغيرة لا تملك انتشاراً سياسياً ولا عضوياً جُغرافياً، لكنها مُتوافقة فكرياً ونظرياً وصوتها الإعلامي عالٍ وتعمل بفقه أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا، وهناك المتآمرون على الاتفاق الذين تجمّعوا لمُحاربته، لأنّه لم يُلبِ طُموحاتهم المشروعة، ولأنهم يمثلون في أنفسهم أكثر إيماناً بالنضال ودفعوا ثمنه مُضاعفاً، وهؤلاء أبرزهم (حملة السلاح)، وصحيح أنهم لا يَمتلكون مُقوِّمات الحزب السياسي، لكن كادرهم كَانَ مُؤثِّراً في الحراك السوداني سلباً وإيجاباً، وقد وصلوا بأفكارهم ونِضَالهم إلى أقصى نقطةٍ مُمكنةٍ في العَالم وهي دائرة تأثير أوسع من نشاط بعض الأحزاب الصغيرة المُهَجّنَة (البعث/ الناصري) نموذجاً.
وإذا عُدنا إلى الإطار التنظيمي للحزب وتعريفاته، فإنّه معروفٌ في نصوص القرآن وردت كلمة حزب (20) مرة في (13) سورة، وردت (8) بصيغة المفرد ومرة واحدة بصيغة المثنى و(11) مرة بصيغة الجمع، وهناك سورة كاملة باسم (الأحزاب)، ومن خلال استقراء مَعاني ودَلالات المُصطلح القرآني فإنّ (الحزب) في معاني القرآن الكريم يُفيد الترابط المُنظّم سواء كان في الخير أو الشر معاً، لكن أحزابنا بفعلها ومُمارساتها العملية فَقَدَت هذا المعنى، لأنّ غالبيتهم استحوذ عليهم شيطان السُّلطة ومَكاسبها وباتوا حزبها وأنساهم مصالح الجماهير أولئك الغلابة وقود الحروب وحصاد التظاهرات، بيد أنهم نسوا أن حزب السلطة هم الخاسرون، وانهم لم يستقرأوا التاريخ الإسلامي ولم يتأملوا معاني القرآن الكريم الذي مدح الأحزاب أحياناً مثل قوله: (حزب الله) ثم ذمهم أحايين أخرى بوصفهم: (حزب الشيطان) ومرات ترد الأحزاب في صيغ العموم مثل قوله: (كل حزب بما لديهم فرحون).
وبشكل عام وقراءة واقعية لا يفيد مصطلح الحزب في القرآن الكريم المعنى الإصطلاحي المعاصر الذي يعني جماعة سياسية تسعى للوصول إلى السلطة، وإنما يفيد المصطلح الجماعة والطائفة بشكل عام. واذا أسقطنا هذا الأمر على حال مجموعة الأحزاب والجماعات الموقعة على إعلان الحُرية والتّغيير، فإن حالهم يشبه توصيف الطوائف الذي لا يتفق على مركزية برامجية مسنودة باتفاق مُوثّق، فقط هياجٌ عامٌ وهتافٌ عاطفيٌّ عنيف، ولذلك أتوقّع أن يحدث هذا الإرباك الذي نشاهده في الشارع مثل حالات الغضب والفرح المصنوعة أن يحدث إرباكا في التّعامُل مع تفاصيل الاتّفاق بينهم والمجلس العسكري مثل حالة الإرباك في التعريف، متوقع أن يثمر الاتّفاق تشاكُسات وصِراعات لا تَقُود إلى شراكةٍ حقيقيّةٍ تنقذ البلاد ويظل حالهم رِجِل في الحكومة، وأُخرى في المُعارضة كما كان حال الحركة الشعبية عقب اتفاقية نيفاشا عام 2005، ويستمر الوضع حتى تنقضي المُهلة الانتقالية ولم نحقق تقدُّماً ملموساً في قضايا الوطن التي أقعدته وأبرزها عدم وضع رؤية فكرية وسياسية واقتصادية مُتّفق عليها لتتم ترجمتها في برنامج حكمٍ راشدٍ بقوانينه وتشريعاته التي تُحَدِّد مهام ومَوقف كل حزبٍ ودوره، وكل شَخصٍ ودوره في بناء الوطن ومُعالجة قضاياه ومُشكلاته المُلحة، بدلاً من الدائرة الجهنمية ولعبة وصراعات الكراسي والشخوص التي لا تُفيد المُجتمع فِي شَئٍ.. آمل أن تكون نقطة انطلاقَة إلى الريادة والقيادة الإقليميّة والدوليّة وأن تنتج مصالحة وطنية شاملة لا تستثني أحداً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى