منى أبوزيد تكتب : جُزءٌ من النَص مفْقودٌ..!”

10 سبتمبر2022م

“أسوأ شيء في الدنيا أن تَصطدم بعُنف مع شخص تُحبه، لأنك في اللحظة التي تتَحدّاه تُشفق عليه”.. علاء الأسواني..!

التبايُن والانصهار العرقي في السودان أوجد مناخاً اجتماعياً وتركيبةً سلوكيةً جعلت الشخصية السودانية مَحط إعجاب الكثيرين في مجتمعات أخرى. والحديث عن كاريزما الشخصية السودانية – وصفاتها الحميدة ومواقفها المُشرِّفة – عند إخواننا العرب والأفارقة يطول، وهو تقديرٌ مستحقٌ، ونتيجةٌ راجحةٌ لنُبل بعض الأفعال الدالة على معظم الفاعلين..!

لكن ذات الخُصوصية في تعدُّد الأعراق وامتداد التاريخ وترامي الجغرافيا قد أوجدت تلك الفجوة الداخلية – أو الجفوة النفسية إن جاز التعبير – بين مواقف السودانيين تجاه السودانيين أنفسهم، والتي اتسمت بالكثير من الإجحاف، وكلِّلت سلوكهم تجاه الآخر القريب بالحدة والعنف اللفظي والشيطنة والأبلسة والإقصاء. والغريب أن السماحة والتواضع الذي يغلب على سلوكهم تجاه الآخر في مجتمعاتٍ أخرى، يقابله – على النقيض تماماً – عدم استعدادهم للاعتراف بالخطأ في حق الآخر القريب، في ذات المجتمع. فالاعتذار بشجاعة عن الخطأ الشخصي أو الاعتراف الصريح بالخطأ العام في السودان هو في حكم النادر – أو الاستثناء – والنادر لا حكم له..!

جُل مصائب هذا السودان مَرَدُّهَا إلى عيبٍ أصيل في تكوين الشخصية السودانية، يُمكن تلخيصه في كلمة واحدة هي “جداً”. نحن نَكره جداً ونُحب جداً، نَظلم جداً ونتَظلَّم جداً، نَقمع جداً ونثُور جداً، نهتَم جداً ونُهمل جداً. وما بين طرفي النقيض أمورٌ مشتبهات، وحقائقَ مختبئات، ومفاهيم مُتدرِّجة الألوان، وأرضيات ليست سوداء وليست بيضاء، تصلح لتأسيس المشتركات، بلا إفراطٍ في رفض، أو تفريطٍ بقَبول. لكننا مع ذلك نأبى مبدأ التكامل، وننفر من خيارات التجريب، ونلوذ بالشك، وننتهج العناد، جداً، جداً..!

“ألكسندر دوما” يقول إن “كل التعميمات خطيرة، بما في ذلك هذا التعميم نفسه”، وهذا يعني ببساطة أن لا حقائق مُطلقة لكل الأشياء، وأن لا أحكام نهائية على كل البشر، وأن لا تصنيفات قاطعة بشأن كل الأفعال. حتى الحياة الآخرة فيها جنة ونار، وفيها منطقة برزخية “بين الجنة والنار” يُساق إليها أصحاب الأعراف. وهذا يعني أن الحكمة – في هذا الشأن – رَبانيَّة، وأن العدالة متفاوتة، وربما لهذا قال “جمال الدين الأفغاني” إن أقرب موارد العدل هو “القياس على النفس”..!

فالطبيب الذي يصف حميةً قاسية جداً لمريضٍ مُسنٍ جداً أنهكه المرض واستنفذ رصيده من الصبر – حتى يتمكّن من فقدان ما يربو على العشرين كيلو جراماً، بحجة أن تتحسّن صحته – يُعجِّل من حيث لا يدري بنتيجةٍ فاشلة لوصفةٍ مثالية. والزوج الذي يتفنّن في إساءة استخدام قوامته على امرأةٍ كسيرة، لا تملك إلا أن تُذعن – لأنه يطعمها وأولادها، ويكسوهم ويوفر لهم سقفاً آمناً – ينتهي إلى شيخٍ مسن “مجدوع” في ركن البيت، يدفع متأخراً فواتير جفافه العاطفي..!

أما عن شطط الحكومات واشتياط الحاكمين، فهو نتيجة راجحة لكل المذكور أعلاه، وقديماً قال “وينستون تشرتشل” إن كل شعب في العالم ينال الحكومة التي يستحقها..!

 

 

 

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى