انتشار العنوسة في السودان.. من يتحمَّل المسؤولية؟

 

تحقيق: نضال حسن: قسمة حسين 4 سبتمبر 2022م

انتشرت العنوسة مؤخراً في السودان لدرجة أن بعض النساء أصبحن يطلبن الزواج علانية وبلا حياء، كما حدث من قبل فتاة الاستوب التي حملت لافتة تطلب فيها الزواج، وهذا مؤشر قوى لازدياد حالات العنوسة في السودان، وبخلاف فتاة الاستوب فقد أشار ناشطون في وسائل التواصل الاجتماعي إلى عشرات النساء السودانيات يطلبن الزواج عبر الوسائط الحديثة، كما انتشرت صفحات على “الفيس بوك” تهتم بتزويج الشباب، فياترى هل هنالك إحجام عن الزواج؟ وماهي الأسباب التي أدت إلى انتشار العنوسة؟

إحصاءات

في ظل غياب إحصاءات رسمية لتعداد السكان، قُدِّر عدد سكان السودان بنحو (43.83) مليون نسمة، في نهاية عام 2020م، وفقًا لبيانات الأمم المتحدة، بمتوسط معدَّل نمو سكاني خلال خمس سنوات، قدر بـ (2.4%)، ويتوزع السكان حسب الجنس مناصفة -تقريبًا- بين عدد الذكور وعدد الإناث، بنسبة نوع (99.9) ذكر مقابل (100) أنثى.

تقارير رسمية

أكدت تقارير رسمية للعام 2022م، وجود (4) ملايين فتاة، في سن الزواج من مجموع (20) مليون امرأة سودانية.  وتقف وراء هذا الارتفاع في عدد الفتيات اللاتي لم يتزوَّجن أمور عدة. بعضها اجتماعية، وأخرى نفسية، لكن أغلبها اقتصادية.

دراسة عربية

أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب دراسة حديثة للدكتورة إيمان عبد الحكيم البطران، تحت عنوان “تأخر سن الزواج لدى الشباب”، تطرَّقت إلى تفشي ظاهرة العنوسة في العالم العربي.

 

وأشارت الدراسة إلى تعدد أسباب تفشي هذه الظاهرة، منها الاقتصادية وتمسُّك الأهل بشروط معيَّنة في زواج بناتهن مثل: التوافق الاجتماعي، وأسباب نفسية مثل: ضعف الثقة في النفس والقلق والتوتر والاكتئاب وصعوبة الاختيار المناسب. وأسباب اجتماعية مثل: الشعور بالظلم من المجتمع وفقدان الانتماء إليه وغياب التواصل بين الأجيال، وأسباب دينية مثل: البعد عن المنهج الإسلامي في اختيار شريك الحياة وانهيار الأخلاق.

 

وأفادت الدراسة بأن ارتفاع نسبة العنوسة في الكويت بلغ (13) بالمئة، وفي قطر والبحرين والإمارات بلغت نسبة العنوسة (35) بالمئة وفي اليمن وليبيا (30) بالمئة، في حين بلغت النسبة (20) بالمئة في السودان والصومال، و(10) بالمئة في سلطنة عمان والمغرب، وفي السعودية تشير آخر الإحصائيات إلى أن عدد من تجاوزن سن الزواج بلغ حوالي مليون ونصف المليون، فتاة، من بين نحو أربعة ملايين فتاة، وكانت أعلى نسبة قد تحققت في العراق بـ (85) بالمئة، وفي سوريا (50 ) بالمئة من الشباب السوريين لم يتزوَّجوا بعد، في حين لم تتزوَّج (60) بالمئة من الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين (25 و29) عاماً. وبلغت الفتيات اللواتي تخطت أعمارهن (34) عاماً، دون زواج أكثر من نصف النساء غير المتزوِّجات، وفي لبنان بلغت نسبة الذكور غير المتزوِّجين بين (25 و30) سنة، (95) بالمئة والإناث (83) بالمئة، وفي الأردن تأخر عمر الفتيات عند الزواج الأول إلى (29) سنة، بينما يتأخر إلى (31) سنة لدى الذكور، وفي الجزائر هناك أربعة ملايين فتاة لم يتزوَّجن بعد، على الرغم من تجاوزهن الرابعة والثلاثين عاماً.

 

أما في مصر فهناك (15) مليون شاب وفتاة، في سن الثلاثين دون زواج وهناك تسعة ملايين شاب وفتاة، تجاوزوا سن الخامسة والثلاثين دون زواج، وبلغت نسبة غير المتزوِّجين من الجنسين (29.7) بالمئة للذكور، و(28) بالمئة للإناث.

تعريف العانس

العانس هي المرأة التي مكثت في بيت أهلها ولم تتزوَّج، وأيضاً يصلح أن يقال لرجل عانس، ولكن المفهوم السائد هو أن العانس هي المرأة، وقال خبراء: إن المرأة تصبح عانساً إذا بلغت الأربعين من العمر .

شكوى

يقول الخبير الاجتماعي حاتم حسن، إنه حسب متابعته فلقد رأى أن معظم الأسر السودانية تشكو من تأخر فتياتها من الزواج، وقال لـ(الصيحة) يندر أن تجد بيتاً سودانياً لا يشكو من تأخر زواج فتياته، وأضاف: إن هنالك أسر وصلت بناتها إلى سن الخمسين ولم يتزوَّجن كما انتشر مؤخراً زواج النساء كبار السن وتتزوَّج المرأة بعد أن تتخرَّج من الجامعة وتعمل في وظيفة وبعد ذلك تفكِّر في الزواج، لكنها كما يبدو تفكِّر بعد فوات الأوان. وقال: إن تأخر الزواج يعد من أكبر هموم المجتمع السوداني، حيث انتشرت شبكات على منصات التواصل تدعو إلى الزواج فيما يعرف بالزواج الجماعي.

الأم تتسلَّق الشجرة

وتقول الشابة نسيبة جمعة، من قرية بكردفان: إن الزواج في منطقتهم أصبح أمراً صعباً، وقالت: إن المهرلا يقل عن الأربعمائة ألف جنيه، وذكرت أن العروس لا تدخل بيت نسيبتها إلا بعد دفع أموال لا تقل عن مائة ألف جنيه، وأم العروس لا تدخل بيت نسابتها إلا بعد أن تدفع لها أموال، وأضافت إن أم العروس في بعض قراهم تتسلَّق أقرب شجرة ولا تنزل منها إلا بعد أن يدفع لها العريس المبلغ الذي تحدِّده.

وقالت: من أسباب انتشار العنوسة أن البنت تضع مقاييس ومواصفات معيَّنة فتكبر البنت وتعنِّس ولا تجد تلك المواصفات، وأيضاً انتشار الفساد في البلاد وضياع الشباب بسبب المخدِّرات .

شروط صعبة

وذكرت الطالبة الجامعية طيبة عوض، من ولاية الجزيرة، أن الزواج في منطقتهم أصبح من الأشياء الصعبة جداً، فاهل العروس يضعون شروطاً صعبة للعريس مثل: أن يشتري لها ذهباً،

إضافة إلى المستلزمات الأخرى ويشترطون أن تكون كاملة، وأوضحت أن أي خلاف بسيط يمكن أن يؤدي إلى إلغاء الزواج. وقالت: من أسباب انتشار العنوسة في السودان الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد وانتشار الفساد والمخدِّرات وانغماس البنت في التعليم والعمل ومعظم وقتها يكون في العمل فلا وقت لها للتفكير في الزواج، كما أشارت إلى هجرة معظم الشباب إلى الخارج.

مشكلة

بدورها قالت ليلى عمر، من سكان الموردة: إن الزواج عندهم مشكلة، فالمهر عندهم لا يقل عن (500) ألف جنيه، وقالت: إن من أسباب انتشار العنوسة الدولة، لأنها لا تساعد الشباب، بل تصعِّب عليهم المعيشة مما دفع بعض الشباب إلى الهجرة خارج البلد وبعضهم لجأ إلى المخدِّرات، فسابقاً كانت الدولة تدعم الشباب ونظمَّت لهم الزواج الجماعي ووفرت لهم شيلة الزواج، أما الآن لا تساعدهم لدرجة أصبح الشباب لا يفكِّر في الزواج.

أما الطالبة الجامعية سهام عبد الله، فقالت: إن من أسباب انتشار العنوسة في السودان هجرة الشباب إلى خارج البلاد، وأيضاً الظروف الاقتصادية، وقالت: إن ارتفاع المهور أدى إلى هروب الشباب من الزواج، إضافة إلى الخوف والفشل بعد الزواج، وقالت الطالبة: إن هنالك أسباب أخرى تتمثل في الصرف الكبير للمال من فترة تجهيز العروس إلى إكمال العرس، وعلقت الطالبة الجامعية زينب، على أشواق بعض النساء، بقولها: ( الواحدة تقول أنا ما عايزة لي زول يكون ماعندو قروش عايزة زول يكون عندو بيت ملك وسيارة وحفل الزفاف يكون في الصالة وبالفنان الفلاني) وهذه الاشتراطات لا يمكن تحقيقها في الوقت الراهن، وأضافت قائلة: إن عدم تعدد الزواج -أيضاً- أدى إلى انتشار العنوسة بخلاف مطالب البنات الكثيرة .

هذه قصتي

وقالت الدكتورة نسيبة عبد العزيز، أستاذة جامعية بجامعة القرءان الكريم تعلق على هذه القضية: (إن أمها قالت لها لو جاكي عريس ما ترفضيه وتقولي أنا عايزة زول بمواصفات كذا وكذا، لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).

قصص حقيقية

التقينا بعدد من النساء تحدثن لـ(الصيحة)، فقالت إحداهن إنها قرَّرت عدم الزواج إلا بعد التخرج ومن ثم الوظيفة لأنها تريد أن تساعد أسرتها التي صرفت عليها حتى دخولها الجامعة ولا تريد هجر الدراسة والزواج، معتبرة أنها أن فعلت ذلك تكون أنانية خاصة وأن أسرتها تحتاج إلى مساندة ودعم لأنها الكبيرة .

وأوضحت أخرى أنها رفضت الزواج من رجل متزوِّج والآن هي نادمة ولا مانع لديها الآن من الزواج برجل متزوِّج.

أسباب

يقول الباحث الاجتماعي حاتم حسن: إن من أسباب انتشار العنوسة في السودان الفقر والظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد والمغالاة في المهور وتحديد بعض الأسر السودانية الزواج في حدود معيِّنة مثال كان يقال إن المهر عندنا كذا ومستلزمات الزواج كذا، وأشار إلى أسباب أخرى مثل: انغماس البنت في العمل فتقل رغبتها في الزواج لأنها تلبي احتياجاتها، أما المرأة التي تكون بالمنزل فإن الزواج يكون من ضمن احتياجاتها.

وتطرَّق إلى عوامل نفسية، وقال: أغلبها مثلاً قصة حب عميقة فتقول الفتاة ما عايزة أتزوَّج زول تاني والعوامل النفسية لا تعتبر سبباً رئيساً، وأضاف قائلاً: إن الدولة غير مساعدة ومن المفروض أن تقدِّم مساعدات للشباب لأجل تسهيل الزواج وتقليل العنوسة، فمثلاً دول الخليج تساعد أبناء البلد في تقليل العنوسة فتمنحهم بيوتاً، وقال: إن ظاهرة الزواج الجماعي في فترة حكومة الإنقاذ كانت ظاهرة جيِّدة حاجة كويسة ومساعدة، ولكن الآن الدولة لا تساعد الشباب ومن الأسباب الأخرى التي أشار إليها قال: إن الميديا والعلاقات والنت ومواقع التواصل تعد أكثر تأثيراً وتؤثر في عقول الشباب، وطالب بأن يتم التعامل مع الحرية بحد معيَّن بحيث لا تؤثر في عاداتنا وتقاليدنا، مشيراً إلى أن موضوع العنوسة يحتاج إلى ندوات وحلقات ونقاشات واجتماعات لتقليل هذه الظاهرة مثل ظاهرة فتاة “الاستوب” وفتيات “الفيس” اللاتي يطلبن الزواج بصورة غير عادية والخالات المطلقات .

البطالة

وقالت الباحثة الاجتماعية أميمة آدم حسن: تتلخص أسباب انتشار العنوسة في السودان، أولاً: الوضع الاقتصادي الراهن الذي تعيشه البلاد. ثانياً: البطالة وعدم توفير الدولة فرص عمل للشباب. ثالثاً: تدخل الأمهات في تحديد المهور، إضافة إلى الطلبات الخيالية. رابعاً: الإيمان الضعيف بالله والتفكير في المستقبل بأشياء سلبية وعدم التفكير في الإيجابيات استدلالاً بالأية (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ). خامساً: عدم الالتزام والانضباط من قبل بعض الفتيات. سادساً: تفكير كثير من الشباب في الهجرة إلى خارج أرض الوطن وعدم التفكير في الزواج. سابعاً: مقارنة بعض الفتيات مع بعض في كيفية الإعداد للمناسبات من حيث الصالات والفنانين .

التعمق

وقالت الشيخة عائشة النور: إن أسباب انتشار العنوسة في السودان التعمُّق في الأسباب والتعمُّق في الوظيفة، وقالت -أيضاً- منهن من ينظر لكثرة المال ومنهن من ينظر للدرجة العلمية ومنهن من يقول تكملة الدراسة، ومنهن من تنظر للسفر خارج الولاية، وأيضاً التعمُّق في حد الإنجاب، وذكرت الشيخة عائشة قبل يومين في بحري تطلَّقت زوجة من زوجها، وقالت السبب إنه قيبح والناس تتساءل ألف سؤال لماذا هي تزوجته؟ ولماذا رضيت به؟ وفي الأخير تقول إنه قبيح، وأوصت الشيخة عائشة، بِحُسن اختيار الزوج.

الأمر بالإحصان

وقال مولانا محمد عثمان صالح، رئيس هيئة علماء السودان في حديثه لـ(الصيحة): إن الشريعة الإسلامية أمرت بالإحصان للشباب ذكوراً وإناثاً، ومنعت العنت وهو المشقة الزائدة من عدم الزواج، ولا يخفى على أحد أن الله تعالى خلق الخلق من ذكر وأنثى، وتفرَّد هو تعالى بالوحدانية. وعليه يلزم الشباب أن يسعى للزواج، والمهمة في المقام الأول على الرجال دون النساء لتميزهن بالإحياء. ثم الواجب في المرحلة الثانية على الوالدين من الطرفين، ولا تخلي الشريعة الأمراء والحكام من المسوؤلية فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم .:( أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ).

وأضاف قائلاً: من أسباب انتشار العنوسىة وتأخر الزواج لفترة طويلة،

أولاً: العادات الضارة ومنها المغالاة في المهور. ثانياً: تطلع الشابات والشباب لحياة خيالية من الرغد والمتعة في ظروف اقتصادية. ثالثاً: عدم التقيُّد بتعاليم الدين الحنيف وشيوع الرذيلة وضعف مقاومتها وهذه الأمور لا يخفى ضررها على الناس كافة.

وطالب السيد محمد عثمان صالح، المجتمع بأن يقوم بدوره فقال: على المجتمع تيسير الزواج ومنع الأشكال الضارة من الصرف البذخي، وخير الأمور أوسطها، كذلك على الدولة الحد من شيوع الرذيلة حتى لا يقع الشباب فيها ويستغنون عن العفة، ثم أخيراً على العلماء والدعاة أن يعالجوا هذه القضايا بحكمة فعَّالة.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى