منى أبوزيد تكتب : الهوية التلفزيونية

25 أغسطس 2022م
“التلفاز جهاز يتيح لمن ليس لديهم شيء يفعلونه أن يشاهدوا من لا يستطيعون فعل شيء” .. فريد آلن ..!
التغطية الإعلامية المحليَّة والخليجية لأحداث حرب الخليج الأولى كانت من منعطفات الهوية الفارقة في حياة جيلي من أبناء المغتربين، بعد أن رأينا خطورة الإعلام المرئي ولمسنا شراسته كأداة حشد وتعبئة جماهيرية مبهولة التأثير، باهرة النتائج ..!
وجودنا في منطقة الخليج العربي أيام اندلاع الحرب جعلنا نتشبع بالنسخة السعودية للتغطية الإعلامية “للغزو العراقي للكويت وتداعياته” ثم جئنا مع أسرنا لقضاء العطلة السنوية هنا في السودان فتشبعنا ثانيةً بنسخة سودانية للتغطية الإعلامية “للاحتلال الأمريكي للكويت والسعودية” ..!
وقتها كانت للقنوات المحليَّة شنَّة ورنَّة وأدوار حصرية في التأثير على الرأي العام، قبل أن تتسلَّم ثورة القنوات الفضائية مقاليد السلطة الإعلاميَّة وتشارك بسخاء في تشكيل الوعي السياسي للمُشاهد، ثم تهيمن بدلال على قائمة أولوياته في خيارات الريموت كنترول ..!
اليوم انحسر دور تلفزيون الدولة الرسمي في مضمار الهويَّة واقتصر على تقديم الصورة السياسية والاجتماعية والثقافية للبلد التي يحمل شعارها كما ينبغي لها أن تكون حيناً وكما تريد لها الحكومات أن تكون أحياناً ..!
ولكن تبقى أمزجة الحكومات وذائقة الفئات الشعبية المهيمنة ثقافياً هي العائق الأكبر في نجاح التلفزيون في تقديم صورة منصفة للهوية القومية. ولئن كانت الهويَّة التلفزيوينة للبلد تعني تقديم بانوراما اجتماعية لكافة شعبه فإن ذلك يعني – ببساطة – أن يعكس التلفزيون السوداني خصوصية وثراء الجغرافيا الثقافية والعرقية لمختلف قبائل ذلك الشعب فضلاً عن قبائل الوسط والشمال التي ظل التلفزيون السوداني يمثلها كثيراً وطويلاً ..!

لا يكفي أن يعكس إعلام الدولة المرئي جانباً هزيلاً من هذا الثراء، لا يكفي أن يظهر كل هذا في لمحات باهتة مقحمة في صور درامية شحيحة، كما وأنه لا يكفي أن يقتصر التنوع على نوعية البرامج وحدها، بل أن يشمل المذيعين ومقدمي البرامج أيضاً ..!
ما الذي يدفع القائمين على أمر قناة بعراقة البي.بي.سي إلى الجمع بين الملامح شرق الآسيوية والعربية والعرب أفريقية والهندية والأوربية في باقة مذيعيها سوى الحرص على تقديم صورة واقعية صريحة تعكس التنوع العرقي والثقافي والاجتماعي في بريطانيا..؟
لماذا كل هذه التشبث بالهوية العربية في التمثيل الإعلامي المرئي في بلد عربي إفريقي على الرغم من تفرُّده الثقافي وخصوصيته الإثنية والجغرافية؟.
وهل يُقدِّم تلفزيون السودان – اليوم – بانوراما صادقة لتنوع جذور وثقافات وتراث شعوب هذا البلد ؟. قبل أن نطالب بتصحيح هويتنا التلفزيونية علينا – بطبيعة الحال – أن نحسم أولاً أمر هويتنا الثقافية ..!

 

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى