منى أبوزيد تكتب : أعطِني حرِّيتي طلِّق يدَي..!

22 أغسطس 2022م
“المتفائلون لا يدركون كم المُفاجآت السعيدة التي تحدث للمُتشائمين”.. بيتر بام..!
زوجة سودانية بالغة عاقلة مُكلّفة لكنها مُدلّلة، ضاقت ذرعاً بالدلال فيمّمت وجهها شطر مولانا القاضي تطلب فراقاً عاجلاً من زوجها الذي كان يصر على توفير جميع وسائل الراحة في بيت الزوجية، من خدم وحشم وخلافه، بما في ذلك طبّاخ ملوكي مُستعد لتلبية كل الطلبات وتغطية جميع المناسبات والمآتم والأفراح. كان الرجل يحبها إلى درجة الحرص على أن يجنبها ويلات الطبخ وشقاوة النفخ ومُقابلة النيران كي تتفرّغ للحنة والمنكير والبوديكير.. والذي منه..!
لكن الزوجة الغاضبة كانت من النوع “الفقري” الذي يطيب له تقطيع البصل ويلذ له تسبيك الحلل، ويا سلام لو امتلأ الفستان بزيت الدمعة ونكهة الثوم، لمزيد من الشعور بالمُتعة. فما كان منها ـــ والحال كذلك ـــ إلا أن طلبت الطلاق للضرر المتمثل في كثرة الراحة والدلال..!
بحسب الصحف التي أوردت الخبر حاول القاضي جاهداً أن يثني الزوجة المُستغنية عن عزمها وأن يقنع الزوج بضرورة طرد الطباخ فوراً والبدء في إصدار الأوامر لزوجته بتزبيط المفروكة وعواسة الكسرة حتى يكتسب ثقتها ـــ شيئاً فشيئاً ـــ فتوقن بمقدراته المُتجدِّدة على إسعادها..!
لعلك الآن تبتسم تلك الابتسامة التي نطلقها في وجه غرائب الآخرين، ولكني أذكرك بأنّ موقف تلك الزوجة ليس الأول من نوعه ـــ على أية حال ـــ بل هو ضربٌ من ضروب النضال النسوي التاريخي في مُواجهة البطر والدلال الإجباري الذي قاست منه بعض النساء المُتطلبات على مَرّ العُصُور، والذي يظن مُعظم الأزواج ـــ وفي بعض الظن جهل ـــ أنه فنٌ مُتطوِّرٌ من فنون النكد الأسري الذي لا يطيب لزوجاتهم العيش بدونه، ولكن الحقيقة اللطيفة هي أنّ الحكاية قديمة ومُتأصِّلة في تاريخ الزوجات النكديات..!
من السيدة “ميسون” الكلبية زوجة الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان الخليفة الذي أسكنها فسيح القصور بين الطنافس والزهور وألبسها الحرير والديباج وأغدق عليها الحلى والجواهر، لكنه عاد يوماً إلى بيته ـــ بعد يوم عمل شاق في تصريف شؤون الخلافة ــ وهو يطمح كأي زوج محب في قضاء وقت مُمتع برفقة زوجته الشابة الجميلة، لكنه عوضاً عن ذلك سمعها تنشد أبلغ أبيات النكد الزوجي في تاريخ الشعر العربي “لبيت تخفق الأرواح فيه أحب إلي من قصر منيف، وأكل كسيرة وتطيب نفسي أحب إلي من أكل الرغيف”، إلى آخر تلك القصيدة “الكارثة”. فطلقها ـــ تماماً ـــ ثم تركها تغادر إلى حيث فقر البادية الذي لا يعكر صفوه ترف..!
أما زوجة المُعتمد الخليفة الأموي الأندلسي، فقد كانت “حريفة شوية” وأمسكت بعصا الثورة في مُواجهة الدلال من المُنتصف، فذرفت دموع الحنين إلى حياة العوز وأظهرت الضجر من كثرة العز عندما رأت بعض صويحباتها في أيام الفقر ـــ قبل أن يقع الخليفة في غرامها فينقلها تلك النقلة النوعية الطبقية، الهائلة ـــ وهن يتلاعبن ويتضاحكن ويخضن في الطين بأقدامهن الحافية، فبكت من الحسرة وانعدام “الأكسس” لحياة الفقراء وضياع “الكنترول” الذي يسمح بالخوض في طين المساكين..!
فما كان من الزوج العاشق “وهذه بالمُناسبة إحدى فوائد الأزواج الأثرياء” إلا أنّ أمر الجواري والخدم بأن يعدوا لحبيبته المتذمرة بركة طين ملوكي ــــ طين السرور ــــ قوامه المسك والعنبر والكافور وسائر العطور. فخاضت السندريللا الدلوعة في بركة العطور مكرهة لا بطلة، ولسان حالها يقول “عطور، عطور، غرامة، غرامة”، المهم أن أبقى زوجة خليفة، ولو كلفني ذلك بعض الإرهاق من الترف، والمُعاناة مع الرفاهية، والتّعب من الدلال، “وكدا”..!

 

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى